Comparison between .. Islam, Christianity and Judaism /and choose between them
المقارنة بين .. الإسلام والنصرانية واليهودية .. والاختيار بينهم
﴿قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64]
جمع وترتيب محمد السيد محمد
الحمد لله رب العالمين، فاطر السموات والأرض، جاعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي المتقين، وهاديهم إلى الحق المبين، وإلى صراطه المستقيم.
وأشهد أن محمدًا r عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، خاتم أنبيائه ورسله، أرسله ربه بالنور الساطع والضياء اللامع، فأدى الأمانة وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، فكشف الله تعالى به الغمة، ومحى به الظلمة، وجاهد في سبيله حتى أتاه اليقين.
فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك وخاتم أنبياءك ورسلك محمد في الأولين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
وارض اللهم عن آل بيته الأخيار الأطهار، وأصحابه الكرام الذين آزروه وناصروه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته، وانتهج نهجه، واقتفى أثره إلى يوم الدين، وبعد:
فلقد ظهر في تلك الآونة الأخيرة لا سيما عصر القنوات الفضائية، الكثير ممن يهاجمون دين الله عز وجل، ألا وهو الإسلام، سعيًا منهم في الصدِّ عنه، وذلك بعدما رأوا من انتشاره الواسع وقبوله العظيم في شتى أقطار الأرض، مستغلين في ذلك جهل كثير من الناس بحقيقة الإسلام.
ومن ثم كانت المحاولات تلو المحاولات في بث سمومهم تجاهه.
ولذلك: فبمشيئة الله تعالى سوف نتعرض في هذا البحث اليسير الموجز لمقارنة بين الإسلام والنصرانية واليهودية، من حيث أصول معتقدات كل منهم، وذلك حتى يتيسّر لأولي الفطر النقية والنفوس الزكية والعقول الراجحة الرشيدة، التمييز بين الصحيح والسقيم والجيد والردئ، ومن ثم الاختيار بجلاءٍ عن يقين من بين هذه الشرائع الثلاث.
وبداية: فإننا ندعوا الجميع سواءً كانوا من المسلمين أو غيرهم من النصارى أو اليهود، أن يتجرّدوا من الأهواء والعصبيات والشهوات عند اختيارهم من بين هذه الشرائع الثلاث وعليهم أن يعلموا أن ما يتضح لهم من الحق إنما هو حُجّة عليهم أمام الله تعالى.
ومن ثم فإن عليهم أن يقفوا مع أنفسهم وقفة صادقة حِسبةً لله تعالى، مبتغين بها الحق، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
ونسال الله العليّ العظيم رب العرش الكريم أن يهدينا جميعًا للحق المبين الذي لا مرية فيه، وأن يشرح صدورنا له، وأن يوفقنا للسير على دربه، إلى أن نلقاه جل وعلا فهو تبارك وتعالى ولي ذلك والقادر عليه.
من هم أهل الكتاب؟
إن أهل الكتاب هم بإيجاز اليهود والنصارى، أصحاب الشرائع السماوية.
ولا شك أن هذه الشرائع قد ضاعت وانحرفت عن مسارها الصحيح، ومن ثم كان خروجها عن الإطار الرباني الصالح لهداية البشر.
ما يربط النصرانية باليهودية، ومن ثم الاتفاق الظاهر بينهما
بداءةً نوضح: أن كلًا من النصرانية واليهودية في تضاد وعداء شديد، فلا يمكن لهما أن يجتمعا بأي شكل من الأشكال.
ومن الأسباب الرئيسة في ذلك: هو اختلاف معتقد كل منهما، حيث تعتقد النصرانية الألوهية في المسيح، وتقول بأنه أحد أجزاء ثلاثة لإلهها، وأنه (المسيح) قد صُلِب، ثم قُتِلَ على الصليب من قِبل اليهود، ثم قام من بين الأموات وصعد إلى السماء.
وعلى النقيض تمامًا، نجد أن اليهودية قد كذبت بنبوة المسيح ورسالته، وقالت بأنه ابن زنا، وُلِد بُغية، ونسبت أمه إلى الفجور.
إلى غير ذلك من أسباب التضاد والتناقض والعداء الشديد بينهما.
وإن كان ذلك السبب الذي قد أشرنا إليه لكفيل وحده باستحالة الاتفاق بين كل منهما.
وإذا ما حاول الإعلام العالمي إيهام الكثير باتفاق اليهود مع النصارى تحت أي من المسمّيات المزعومة، فإن ذلك في الحقيقة ليس إلا اتفاق ظاهري مُخادع، لتحقيق أطماع مشتركة بين كل منهما، لا سيما في النيل من الإسلام وأهله.
وحقيقة ذلك الاتفاق الظاهري بين كل من النصرانية واليهودية، هو الآتي:
أن اليهود يعتقدون أنهم إذا بنوا هيكل سليمان خرج المُخلِّص لهم (لليهود)، وهو المسيح الدجال، وهم يُقَرّون بذلك في كتبهم.
وفي هذا صدقٌ لما أخبر به النبي محمد r حيث قال: «يتبع الدجّال من يهود أصبهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة». أي عليهم اللباس الذي يلبسه أحبار اليهود.
وإذا كان ذلك العدد من علماءهم، فما بالنا بعامتهم؟!
وذلك أنهم يعتبرونه (المسيح الدجال) هو المخلّص لليهود([1])، أي مما هم فيه من التشتت والتشرذم وإهانة الشعوب لهم.
ولكن العجيب: أن المسيح الدجال الذي سوف يؤمن بألوهيته اليهود، ويعتبرونه مُخلِّصهم، يكون أعورًا، ومجسمًا، بحيث يكون مُتحيّزًا، أي يحدّه المكان المحيط به.
ومن المُحال أن يكون الإله الخالق جلّ وعلا بذلك الوصف المُتصف به مسيح اليهودية (المسيح الدجال).
وبالنسبة للنصارى:
فإنهم يعتقدون أنه إذا تمَّ بناء الهيكل (الذي تزعمه اليهودية)، وخرج المسيح الدجال (الذي يؤمن به اليهود)، ابتدأ عهد جديد للنصارى، يحكمون فيه العالم من خلال القدس.
أي أن النصارى يعتبرون اليهود قنطرة يعبرون عليها إلى مجدهم، وأن اليهود جسر يعبرون عليه إلى حكم العالم.
لذلك فإن النصارى يعتقدون أنه إذا ما دُمِّر اليهود وشُرِّدوا، ووقعت عليهم الهزيمة من المسلمين أو غيرهم، سوف يتأخر نزول المسيح بن مريم([2])، الذي يؤمنون به ويألهونه.
ومن ثم يتبين السرّ في مساعدة الغرب لا سيما الولايات المتحدة لإسرائيل، في إقامة دولة لهم، حتى وإن كان ذلك على أرض مغتصبة من المسلمين العُزّل من أدنى مقومات الحرب الحديثة.
ومما أشرنا إليه يتبين أن الاتفاق بين النصرانية واليهودية، ما هو إلا اتفاقًا ظاهريًا، منطويًا على تضاد وتناقض بين معتقد كل منهما، ومشحون بالعداء الشديد والتناحر المقيت الذي لا يلبس إلا وأن ينفجر في أي وقت بينهما تحت أي إشعال له، والحروب الحديثة شاهد ذلك.
عقيدة اليهودية في الإله الربّ سبحانه وتعالى
بداءة نوضح: أن اليهودية قد ذمّت وعابت الإله الربّ سبحانه وتعالى، ونسبت إليه من الصفات ماتكون سببًا في الانتقاص منه، ومن عظيم صفاته، بحيث لا يمكن للفطر السوية والنفوس الزكية والعقول الرشيدة قبولها في حق الإله الربّ سبحانه وتعالى.
ويرجع ذلك إلى ما قد نال كتاب اليهودية من التغيير والتبديل والتحريف، تبعًا للأهواء وانقيادًا خلف الشهوات.
فنجد أن التوراة التي تنسبها (اليهودية) إلى موسى عليه السلام، تتضمن الكثير والكثير من القصص المفتراة، مع ما فيها من بذئ الأقوال الفاحشة، ونسبها وإلقاصها بالأنبياء والصالحين، على الرغم من اعترافها (التوراة) بنبواتهم ورسالاتهم.
وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح جزءً من ذلك في نقاط لاحقة.
ومن ثم فإن اليهودية بذلك الذي ألصقته بأنبياءها وصالحيها من بذيء الأفعال والجرائم تكون قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى سوء الاختيار لأنبيائه ورسله، نتيجة جهله بما سيُقدِمون عليه من ارتكاب لمثل تلك الجرائم والفواحش المنسوبة إليهم.
ومن ثم فإن اليهودية أيضًا تكون قد نفت عن الإله الربّ سبحانه وتعالى صفة الحكمة، لأنه بدلًا من أن يُحسن اختيار أنبيائه ورسله ليكونوا بمثابة مصابيح هدى للبشرية، قام بإساءة الاختيار لهم ليصيروا بذلك بئس النماذج المقتدى والمحتذى بهم.
فاليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى العديد من الصفات الذميمة إثر افتراءاتها على أنبياءها ورسلها، ومن مثيل تلك الصفات الذميمة:
أ- صفة سوء الاختيار ب- الجهل وعدم العلم بالغيب والمستقبل
جـ- انتفاء الحكمة.
إلى غير ذلك مما يترتب على مثل تلك الصفات من صفات معيبة ناقصة يستحيل لعاقل أن يتقبلها في حق الإله الربّ سبحانه وتعالى.
ونجد أيضًا، أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى صفة العنصرية والظلم والفظاظة.
حيث إن اليهود يعتقدون أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن الإله إنما هو إله بني إسرائيل، وأن الربّ إنما هو ربّ بني إسرائيل، وأن مختلف الأمم والشعوب من غير جنسهم اليهودي لا أمل لهم في الإله الربّ سبحانه وتعالى، حيث يزعمون أن سائر الأمم والشعوب مرفوضة منه.
وبما أن إله اليهود لا يقبل سواهم، ولا يتقبل عبادة إلا منهم، إذن فلا أمل لسائر الأمم والشعوب في التعبد والتقرّب لذلك الإله الربّ الذي خلقهم، وليبحثوا حينئذ عن إله آخر يرضونه فيتقبلهم. (استنكارًا لادّعاء اليهودية).
وذلك بلا شك وصف أيضًا للإله الربّ بعدم الحكمة، (تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا).
ونجد أيضًا أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى أنه عبارة عن جسم كبير، ومن ثم فإنها تصفه بالتجسيم والتحيّز، ومن المحال في حقّ الله تعالى أن يوصف بمثل ذلك، لأنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، فلا يمكن أن يحتويه مكان أو يُفنيه زمان.
فالله سبحانه وتعالى هو خالق المكان والزمان، وذلك يعني أن المكان قد أوجده الله تعالى لتعيش المخلوقات فيه (كالإنسان والحيوان والطير ...).
وقبل خلق الله تعالى لهذه المخلوقات لم يكن هناك مكان أو زمان.
لذلك، فإن اليهود هم أول من يتبعون المسيح الدجّال الذي يخرج آخر الزمان، ويدّعي الألوهية، مع أنه لا يستطيع أن يزيل ما به من عور، حيث إن من صفاته ذلك العور الذي بإحدى عينيه، مع ضخامة في جسمه.
ومن المحال في حقّ الله تعالى أن يكون بذلك الوصف المُتّصف به المسيح الدجال، سواءً كان ذلك العور الذي بإحدى عينيه، أو ذلك التجسيم والتحيّز المتّصف به الدجّال.
ويؤكد ذلك التجسيم الذي تدّعيه اليهودية وتنسبه إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى، افتراءً عليه، أنها تزعم أن موسى عليه السلام قد رأى أجزاء الله الخلفية (المؤخّرة)، حيث ينصّ كتابها على أن الله قال له لموسى الآتي: «ثم أرفع يدي فتنظر ورائي، وأما وجهي فلا يُرى» [سفر الخروج 33: 23].
والنصّ بالإنجليزية لسفر الخروج (33: 23)، كالآتي:
[And thou shall see my back parts]
وترجمته الحرفية: وسوف ترى أجزاء مؤخرّتي، (تعال الله عن مثل ذلك علوًا كبيرًا).
ونجد أيضًا، أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى أنه قد تصارع مع يعقوب، وكانت الغلبة ليعقوب، حيث ينصّ كتابها على الآتي:
«فقال لا يُدعى اسمك في ما بعد يعقوب، بل إسراءيل لأنك جاهدت مع الله ومع الناس فقدرت» (سفر التكوين 32 : 28)، (تعالى الله عن مثل ذلك علوًا كبيرا).
وذلك الذي تدّعيه اليهودية إنما هو نابع من تلك الأمثلة الوصفية الكثيرة، المثيرة للصور الذهنية، والتي تعِجّ وتمتلئ بها كتبها، حيث تصور الإله الربّ بالكلمات حسب شكل الإنسان نفسه.
ومن تلك التعبيرات أيضًا التي ينصَّ عليها كتاب اليهودية، والتي يتصوّر منها القارئ أن الإله الربّ مثل الإنسان وأنه مُتحيّز، بحيث يكون له مكان يحدّه ويحيط به، الآتي:
«فنزل الربّ لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنوهما» (سفر التكوين 11: 15).
(تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا)
وأيضًا، وَصْف الإله الربّ كإنسان يشم، كالآتي: «فتنسم رائحة الرضا وقال الربّ في قلبه ....» (سفر التكوين 8:21).
ونصّ ذلك بالإنجليزية (And lord smelled asweet savour)
وترجمته الحرفية: وشم الربّ نكهة أو رائحة حلوة.
تعالى الله عز وجل عن مثل ذلك علوًا كبيرا
ونجد أيضًا، أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى، صفة الندم والتأسف والحزن، ولا شك أن الندم يتأتى من قبيل سوء التصرّف وفعل الخطأ، نتيجة الجهل بعواقب ذلك الفعل.
ويتبيّن ذلك مما ينصّ عليه كتاب اليهودية، كالآتي:
«فحزن الربّ أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه» (سفر التكوين 6:6).
تعالى عز وجل عن مثل ذلك علوًا كبيرا.
ونجد أيضًا أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الرب سبحانه وتعالى: أنه يستريح ليستعيد نشاطه، ولابد أن تلك الاستراحة لاستعادة النشاط تكون جرّاء التعب والإنهاك في الجهد.
ولا شك أن ذلك كله مُحال في حق الله تعالى، لأن أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون.
ويؤكد ما ذكرناه من نَسْب اليهودية إلى الله تعالى صفة الاستراحة لاستعادة النشاط، والتي لا تكون إلا جرّاء التعب والانهاك في الجهد، الآتي:
« ... لأنه في ستة أيام صنع الربّ السماء والأرض، وفي اليوم السابع استراح وتنفّس» (سفر الخروج 31: 17).
ونصّ ذلك بالإنجليزية: [He rested and Refreshed]
وترجمته الحرفية: استراح واستعاد نشاطه.
ومن ثم فإن اليهودية تحيي ذكرى (يوم السبت) اعتقادًا منها كما في كتبها، أن الله قد تعب واحتاج أن يستعيد نشاطه بعد ستة أيام (أي نتيجة الأشغال الشاقة المجهدة التي قام بها).
تعالى الله عز وجل عن مثل ذلك علوًا كبيرا
ونجد أيضًا أن اليهودية قد نسبت إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى: أنه كصفة النار المتلهبة، حيث ينصّ كتابها على الآتي:
«وكان منظر مجد الربّ كنار آكلة على رأس الجبل أمام عيون بني إسرائيل» (سفر الخروج 24 : 17).
ولا شك أن النار رمزٌ للدّمار والخراب عكس النور والضياء.
فتعالى الله عز وجل عما قد نسبته إليه اليهودية علوًا كبيرا
وغير ما أشرنا إليه الكثير والكثير من الصفات الذميمة المعيبة التي قد نسبتها اليهودية إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى، كالنوم، والاستيقاظ من النوم، ... إلى غير ذلك، مما يستحيل لعاقل ذي فطرة نقيّة ونفس زكيّة أن يتقبل أياًّ منها في حق إلهه وخالقه ورازقه .. سبحانه وتعالى.
موجز عن عقيدة اليهودية في أنبياء الله ورسله
لقد نسبت اليهودية إلى أنبياء الله تعالى الكثير من الجرائم والافتراءات التي يستحيل لفطر نقية ونفوس زكيّة وعقول سويّة أن تقبلها في حق إنسان فاضل، عفيف طاهر، فضلًا عن نبي أو رسول قد اختاره الله تعالى واصطفاه عن علم منه جل وعلا للنبوة والرسالة.
ومن تلك الجرائم والافتراءات التي نسبتها اليهودية إلى أنبياء الله ورسله:
أنها نسبت إلى نبي الله هارون عبادة العجل (صنم مصُوَّر على شكل عجل)، ليس ذلك فحسب، بل نسبت إليه أنه قد بنى معبدًا لذلك العجل الذي يعبده، وأنه أمر بني إسرائيل بعبادته، وذلك كما هو مصرّح به في (سفر الخروج، الباب 32).
أنها نسبت إلى نبي الله سليمان السحر، وأنه كان ملكًا ساحرًا.
أنها نسبت إلى نبي الله لوط شربه للخمر، وليس ذلك فحسب، بل إنها نسبت إليه أيضًا: أنه قد زنى بابنتيه الكبرى ثم الصغرى، وأن ابنتيه قد حملتا منه من الزنا.
وذلك يعني أن اليهود لم تنسب إلى نبي الله لوط الزنا فحسب، بل نسبت إليه أقبح أنواع الزنا، ألا وهو زنا المحارم، لا سيما زنا الأب بابنتيه، كما في (سفر التكوين، الباب 19).
أنها قد نسبت إلى نبي الله نوح شربه للخمر وتعرّيه، أي تجرّده من ملابسه، كما في (سفر التكوين 9: 20 – 21).
أنها قد نسبت إلى نبي الله يوسف أنه كاد أن يزني هو أيضًا، بعد أن قام بحلّ تكة سراويله من أجل ذلك.
وغير ذلك الكثير والكثير من الجرائم المنكرة، والفواحش الرذيلة، والافتراءات الكاذبة التي قد نسبتها اليهودية إلى أنبياء الله تعالى ورسله.
وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح بعضًا مما قد نسبته اليهودية إلى أنبياء الله ورسله في الجزئية الخاصة بما تعتقده النصرانية في أنبياء الله ورسله، حيث إن الكتاب المقدس للنصرانية يتضمن كتاب اليهودية تحت ما يسمى بالعهد القديم.
ومما أشرنا إليه يتبيّن لنا عِظَم افتراءات اليهودية على أنبياء الله تعالى ورسله، من ثم عِظَم الافتراء على الله تعالى.
لأن الاعتقاد بذلك الذي قد نسبته اليهودية إلى الأنبياء والمرسلين يعني أن يُنسب إلى الله تعالى صفة الجهل وعدم العلم بالغيب لسوء اختياره لأنبياءه ورسله، بل ويعني أيضًا أن يُنفي عن الله تعالى صفة الحكمة، وذلك كله محال في حقّ الله سبحانه وتعالى.
فالله سبحانه وتعالى مُنزّه عن سوء الاختيار، حيث إنه جل وعلا قد اختار أنبياءه ورسله ليكونوا مصابيح هدى للبشرية قاطبة، وليكونوا خير نماذج يقتدى ويحتذى بها.
وإذا ما ارتضت اليهودية مثل تلك الافتراءات على أنبياء الله ورسله، فإن ذلك يكون بمثابة التقليل من خطورة جريمة الزنا وغير ذلك، ويعني التشجيع على ارتكاب مثل تلك الرذائل والفواحئ والجرائم، لأنه إذا ما سَلِم أنبياءها ومرسليها من السقوط والإنغماس في وحل تلك الرذائل، فهل يسلمون هم؟!!
فالله سبحانه وتعالى منزّه عن الجهل بما سوف يفعله أنبياءه ورسله، بل إنه سبحانه وتعالى يعلم تمام العلم أنهم (أنبياءه ورسله) خير من يعبدونه على هذه الأرض، وخير من يدعون إليه سبحانه وتعالى، ومن ثم فهم خير من يقتدى ويحتذى بهم.
السيدة مريم في اليهودية
ونوجز هذه النقطة بتوضيح ما يلي، وهو:
أنه كما لم تعترف اليهودية بنبوة ورسالة المسيح، فإنها كذلك قد نسبت الزنا والفجور إلى والدته (السيدة مريم)، وذلك على الرغم من تأييد الله تعالى لها من خلال معجزة كلام وليدها (المسيح) في المهد، كتبرءة لها، وكتمهيد لرسالته فيما بعد.
المسيح في اليهودية
ونوجز هذه النقطة بتوضيح ما يلي، وهو:
أن اليهودية لا تعترف بنبوة ورسالة المسيح، بل إنها نسبت إليه الولادة بغية، أي أنه قد وُلِد بطريقة غير شرعية، حيث قالت عنه: أنه وَلَد زنا، وذلك على الرغم من معجزة كلامه في المهد، والمعجزات التي قد أجراها الله تعالى على يديه بعد ذلك تأييدًا لنبوته، وشهادة بصدق رسالته.
بل إن اليهود قد حاولوا صلب المسيح وقتله، ولكن الله سبحانه وتعالى قد رفعه إليه وأنجاه منهم.
مم يتكون كتاب اليهودية؟؟
بداءة ننوه إلى:
أن ما بأيدي اليهودية الآن ليست بالتوراة التي جاء بها موسى عليه السلام من الله تعالى، وذلك نظرًا لما قد نالها من التغيير والتبديل والتحريف.
وبالنسبة لما يتكون من كتاب اليهودية اليوم:
فإنه يتكون من العديد من الكتب مثل (سفر التكوين – سفر الخروج – سفر اللاويين – سفر العدد – سفر تثنية الاشتراع)، وتلك الكتب عامة تنسب إلى موسى، غير أننا نجد أن كاتبها مجهول، غير معروف، إضافة إلى العديد من الأسفار الأخرى الغير منسوبة إلى موسى، وكاتبها غالبًا بين المجهول، الغير معروف، أو ما يمكن أن يكون مشكوكًا فيه، كأن يُقال أن كاتب ذلك السفر من المُحتمل أن يكون كذا.
وتلك الأسفار متضمنة للكثير والكثير من حالات الزنا لا سيما زنا المحارم (كما في سفر التكوين وغيره) وقصص للعاهرات مع وصف فاضح لعهرنّ، ... إلى غير ذلك، كما أشرنا سابقًا، ومما سوف نشير إليه في نقاط لاحقة بمشيئة الله تعالى.
ولتمام الفائدة، ننوه إلى:
أن النسخ المشهورة للعهد القديم عند أهل الكتاب ثلاث (3) نسخ:
النسخة الأولى: هي النسخة العبرانية، وهي المعتبرة عند اليهود وطائفة البروتستانت النصرانية([3]).
النسخة الثانية: وهي النسخة اليونانية، وهي التي كانت معتبرة عند النصرانية إلى القرن الخامس عشر من القرون المسيحية، وكانت تعتقد إلى هذه المدة تحريف النسخة العبرانية، وهي إلى هذا الزمان معتبرة عند الكنيسة اليونانية وعند كنائس المشرق([4]).
النسخة الثالثة: وهي النسخة السامرية، وهي المعتبرة عند السامريين.
وبين تلك النسخ الاختلافات الكثيرة، فكثير من كتب العهد القديم كانت مشكوكة، غير مقبولة عند النصرانية إلى ثلاثمائة وأربع وعشرين سنة([5]).
وذلك يوضح لنا مدى التخبّط الذي يقع فيه كتاب اليهودية، ومن ثم كتاب النصرانية، لاحتواءه وتضمّنه إياه تحت مُسمّى العهد القديم.
إلى أي شيء يدعوا الكتاب الذي بين يدي اليهودية اليوم؟
لقد أرسل الله عز وجل أنبيائه ورسله إلى الناس من أجل دعوتهم وهدايتهم إليه سبحانه وتعالى، مُنزّلًا عليهم الكتب السماوية، رحمة منه تبارك وتعالى.
ولقد أنزل الله عز وجل على نبيه موسى عليه السلام التوراة فيها هدى ونور لمن يأخذ بها، ويعمل بما فيها.
ولقد وكّل الله عز وجل حفظ التوراة إلى البشر من أحبار وغيرهم، كغيره من الكتب السماوية، حيث لم يتعهد الله تبارك وتعالى بحفظ كتاب سماوي سوى القرآن الكريم، لما كان من تضييع البشرية للكتب السماوية السابقة له (القرآن الكريم) حينما استحفظوا عليها، ولما للقرآن الكريم من خاصية فريدة، وهو أنه ليس بعده أي نزول لكتاب سماوي آخر ، فهو (القرآن الكريم) آخر الكتب السماوية المُنزّلة.
ومن ثم: فإن التوراة التي قد جاء بها نبي الله موسى عليه السلام قد نالها ما نال غيرها من اعتداءات الحاقدين والمعتدين بالتغيير فيها والتبديل والتحريف، حسبما تُمليه عليهم أهواءهم وشهواتهم وعقولهم الشيطانية الخبيثة.
لذلك: فإن ما بين يدي اليهودية اليوم لا يمكن وصفه بالتوراة، لما قد طرأ عليها من التغيير والتبديل، والتحريف الذي قد أخرجها عن إطارها الربّاني.
وبمشيئة الله تعالى سوف نشير في هذه النقطة إلى موجز مما يدعوا إليه الكتاب الذي بين يدي اليهودية اليوم، وذلك بعدما نالت الأيدي الخفية منه ولوثته، ومن ذلك:
1- الدعوة إلى ذمّ الإله والانتقاص منه.
ولقد تم الإشارة في نقطة سابقة إلى ما قد نسبته اليهودية إلى الله تعالى من صفات ذمّ وانتقاص وعَيْب، والتي لا يمكن للفطر السوية والنفوس الزكية والعقول الراجحة الرشيدة أن تقبلها في حقه جلّ وعلا، ومثال ذلك:
- أنها (اليهودية) قد نسبت إليه جلّ وعلا صفة النوم، ومن ثم عدم العلم، وضياع العدل وانتشار الظلم، وانتفاء الحكمة.
لأن من ينام فإنه يغيب وعيه وإدراكه، ومن ثم يجهل الكثير من مجريات ومحدثات الأمور، ولا يمكنه التمييز بين المظلوم والظالم للفصل بينهم يوم الحساب، ومن ثم ضياع الحقوق.
وإذا كان الأمر كذلك: فما الحكمة إذن من خلق البشرية، ومن خلق الجنة كثواب للمؤمنين الطائعين، ومن خلق النار كعقاب للكافرين والعاصين؟!
ولا شك: أنه إذا ما تمّ نسب مثل تلك الصفة الوضيعة (النوم) لله جل وعلا، كما فعلت اليهودية، فإن ذلك يعني نفي صفة الحكمة عن الله تعالى، ومن المحال في حق الله سبحانه وتعالى أن تنتفي عنه هذه الصفة المجيدة (الحكمة).
إلى غير ذلك من الصفات المذمومة والناقصة والمعيبة المترتبة على مثل تلك الصفة الوضيعة التي قد نسبتها اليهودية إلى الله تعالى، افتراءًا وكذبًا، وبهتانًا وزورًا.
فتعالى الله جلّ وعلا عن ما نسبته إليه اليهودية علوًا كبيرًا
وتبعًا لما أشرنا إليه، فإن نسب صفة النوم إلى الله تعالى يعني ذمّه والانتقاص من قدرته وعظمته، لاحتياجه لمثل تلك الصفة، وذلك كله مُحال في حقه جلّ وعلا.
فالله سبحانه وتعالى هو القدير العظيم، الغني عن ما يحتاج إليه خلقه، فليس كمثله شيء.
ولقد نسبت اليهودية أيضًا إلى الله تعالى صفة الندم، ومن ثم عدم العلم بالغيب وبمحدثات الأمور والجهل بها، ومن ثم ضياع الحكمة والانتقاص من قدرته وعظمته جلّ وعلا.
وذلك لأن من يعلم نجده يتصرف من منطلق علمه، ومن ثم فإنه لا يندم على تصرفه.
فإذا ما نسبت اليهودية صفة الندم إلى الله تعالى، فإن ذلك يعني أنها تقول بأن الإله قد أساء التصرف نتيجة عدم العلم، والجهل بالغيب، وبما ستئول إليه الأمور، ومن ثم الانتقاص من قدرته وعظمته جلّ وعلا، وذلك كله مُحال في حق الله سبحانه وتعالى.
فتعالى الله جل وعلا عن ما نسبته إليه اليهودية من صفات مذمومة معيبة ناقصة، علوًا كبيرا.
ولقد نسبت اليهودية أيضًا إلى الله تعالى صفة التعب، تبعًا لما قد نسبته إليه من استراحة بعد خلق السماوات والأرض، ومن ثم الانتقاص من قدرته وعظمته جلّ وعلا.
وذلك بالتأكيد مُحال في حقّ الله سبحانه وتعالى.
فتعالى الله جلّ وعلا عن ما نسبته إليه اليهودية من مثيل تلك الصفات المذمومة المعيبة الناقصة علوًا كبيرًا.
ولقد نسبت اليهودية إلى الله تعالى صفة العنصرية.
حيث تدّعي اليهودية أن الإله هو إله بني إسرائيل، وأن الربّ هو ربّ بني إسرائيل.
وتدّعي أيضًا أن اليهود هم أبناء الله وأحباؤه.
وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا خلق الله تعالى غيرهم (غير اليهود) من الأجناس البشرية الأخرى المختلفة، وما الحكمة إذن من خلقه لعباده من غير اليهود؟!
وإذا كان الأمر كذلك، فأين يكون عدل الله بين عباده؟!
وإذا كان الأمر كذلك، فما بالنا بمن هو من غير اليهود، ولكنه يؤمن بالله تعالى ووحدانيته وعظيم صفاته وطلاقة قدرته، وبأنبيائه وكتبه وتشريعاته، وبالغيبيات الأخرى التي هي شرط في صحة الإيمان، مع تقواه وصلاح أعماله؟!
وما بالنا بمن هو من الجنس اليهودي، ويفتري على الله كذبًا، ولا يؤمن بجميع أنبيائه ورسله، ناسبًا إلى كثير ممن يؤمن بهم الفواحش والرذائل، مع عصيانه وفساد أعماله؟!
هل يستويان مثلا؟!! بالطبع: كلا
كذلك، لا شك أن معتقد اليهودية يتنافى تمامًا مع عدل الله تعالى وحكمته، وسائر صفاته العليّة، ممّا يجعله (معتقد اليهودية) يتنافى أيضًا مع الفطر النقية والنفوس الزكية والعقول الراجحة الرشيدة.
وغير ذلك الكثير والكثير مما قد نسبته اليهودية إلى الله تعالى من صفات مذمومة معيبة ناقصة، تبعًا لما ينص عليه الكتاب الذي بين يديها اليوم بعد التحريف والتغيير والتبديل والتلويث.
2- الافتراء على أنبياء الله تعالى ورسله:
لقد شوّه الكتاب الذي بين أيدي اليهودية اليوم صورة أنبياء الله تعالى ورسله على الرغم من اختيار الله تعالى واصطفائه لهم برسالاته.
لذا: فإن الطعن في أنبياء الله تعالى ورسله إنما هو طعنٌ في الصفات العليّة لله سبحانه وتعالى.
فالطعن في أنبياء الله تعالى ورسله والافتراء عليهم بأقبح وأحطّ الأعمال، يعني وصف الله تعالى بعدم العلم، وضياع حكمته نتيجة سوء الاختيار لهم، وذلك كله محال في حق الله سبحانه وتعالى.
ومما نسبته اليهودية إلى أنبياء الله تعالى ورسله، افتراءً عليهم، تبعًا لما ينص عليه كتابها الذي بين يديها اليوم:
أنها قد نسبت إلى نبي الله لوط شرب الخمر، بل إن اليهودية قد تطاولت على نبي الله لوط أكثر وأكثر على الرغم من اعترافها بنبوته، حيث نجد أنها قد نسبت إليه وقوعه في فاحشة الزنا بابنتيه الواحدة تلو الأخرى، بل والإنجاب منهما، وذلك بعد شربه للخمر وفقدانه لعقله.
والتساؤل: فهل يمكن لفطرة سوية وعقل رشيد أن يقبلا أيًّا من تلك الافتراءات في حق نبي قد اصطفاه الله تعالى بالنبوة، ومن ثم تشريفه بها؟! بالطبع: كلا.
ألا يُعدّ ذلك ذمًّا للإله الذي قد اختاره واصطفاه بهذه النبوة الكريمة، من حيث وصفه وقذفه بالجهل وعدم الحكمة وسوء الاختيار ... إلى غير ذلك من صفات معيبة، مُنافية لعظيم صفات الله تعالى وجميل أسماءه؟!!
ألا يُعدّ ذلك دعوة لسوء المعتقد في الله سبحانه وتعالى؟!!
ألا يعد ذلك الذي نسبته اليهودية إلى أنبياء الله تعالى، من وقوع وذللٍ في وحل مثل تلك الفواحش والرذائل، دعوة إلى التيسير والتمهيد والترويج لمثل تلك الفواحش والرذائل المنكرة؟!
بحيث إنه إذا لم يسلم الأنبياء من الوقوع في وحل تلك الفواحش والرذائل المنكرة، فهل يسلم غيرهم ممن لم يختارهم الله تعالى لنبوته ورسالته!
لا شك أنه لا يمكن لفطر نقية ونفوس زكية وعقول راجحة رشيدة أن تقبل مثل تلك الادّعاءات الكاذبة والافتراءات الباطلة.
ونجد أيضًا أن اليهودية قد نسبت إلى نبي الله يوسف، أنه كاد أن يقع في رذيلة الزنا هو أيضًا، بعد أن حلّ تكة سراويله لممارسة تلك الرذيلة المنكرة.
ولا شك أن ذلك مُحال في حق أنبياء الله تعالى، الذين قد عصمهم الله تبارك وتعالى من مثل تلك الرذائل والمعاصي.
ونجد أيضًا أن اليهودية قد نسبت إلى نبي الله سليمان: أنه كان ملكًا ساحرًا.
ولا شك أن ذلك مُحالٌ في حق أنبياء الله تعالى، الذين قد عصمهم ربهم تبارك وتعالى من مثل تلك الكبائر المهلكة، لأنه بالسحر يصير المرء كافرًا.
فهل يكفر أحد أنبياء الله تعالى بعد الإيمان والاختيار والاصطفاء من الله تعالى، والتشريف له بمنزلة النبوة الكريمة؟!
ونجد أيضًا أن اليهودية قد كذبت بنبوة ورسالة نبي الله المسيح، بل إنها قد نسبت إليه الولادة الغير الشرعية، بعد أن نسبت إلى والدته الزنا والفجور، وذلك على الرغم من تأييد الله تبارك وتعالى له (للمسيح) بمعجزة كلامه في المهد تبرءة له ولأمه من تلك التهمة الرذيلة، وتمهيدًا لنبوته ورسالته فيما بعد، إضافة إلى الكثير من المعجزات التي أجراها الله تعالى على يديه تأييدًا لنبوته ورسالته.
ونجد أيضًا، أن اليهودية قد كذبت بنبوة ورسالة النبي محمد r، ونسبت إليه الكذب وادّعاء النبوة، وذلك على الرغم من شهادة الجميع له r بالصدق والأمانة، وعلى الرغم من تأييد الله تبارك وتعالى له بالكثير والكثير من المعجزات والخوارق التي قد أجراها الله تعالى على يديه تأييدًا لنبوته ورسالته، بل وعلى الرغم من مجيئه r بالمعجزة الكبرى الباقية، وهي القرآن الكريم، الذي قد تحدى الجميع من بلغاء وعلماء إلى قيام الساعة في أن يأتوا ولو بسورة من مثله، بل وأشار إلى حقائق علمية في شتى المجالات، لم يكن لأحد أدنى معرفة بها منذ أكثر من 1400 عام، والتي لم تُكتشف إلا في هذا العصر الحديث بعد تقدم الوسائل التكنولوجية، لتكون شاهدة على أنه كلام الله تبارك وتعالى، الذي قد أوحاه إلى النبي محمد r، خاتمًا به الرسل والرسالات.
وغير ما ذكرنا الكثير والكثير مما يعجّ به الكتاب الذي بين يدي اليهودية اليوم، من افتراءات وأكاذيب على أنبياء الله ورسله.
3- الدعوة إلى القتل وعدم الرحمة، من خلال المذبح والإبادات الجماعية
حيث إننا نجد أن الكتاب الذي بين يدي اليهودية يدعوا إلى ذلك القتل وتلك المذابح والإبادات الجماعية لمن كان من غير اليهود، من الأجناس الأخرى المختلفة، من خلال الاقتداء بأفعال أنبياء بني إسرائيل (الوارد ذكرهم في صفحاته) وذلك أثناء فتوحاتهم، بغير الجنس اليهودي من مجازر ومذابح وإبادات جماعية دون تفريق بين رضيع وصغير وكبير، ودون تمييز بين رجل أو امرأة وشيخ كبير، ينص عليها الكتاب الذي بين يديها.
وهذا هو ما نجده من تلك المنظمة الصهيونية المُحتلّة للأراضي الفلسطينية اليوم من اعتداءات وإبادات جماعية تجاه سكانها، لأنهم من غير الجنس اليهودي.
حيث تزعم اليهودية بأن الجنس اليهودي هو خير الأجناس، بل وتسعى جاهدة لترسيخ مثل تلك العنصرية المقيتة في الأذهان الإسرائيلية اليهودية منذ الصغر ومنذ النشأة المبكرة.
وبمشيئة الله تعالى سوف نذكر بعض من تلك الفقرات التي ينص عليها الكتاب الذي بين يدي اليهودية في نقاط لاحقة، خاصة بما يدعوا إليه الكتاب المقدس للنصرانية، وذلك حتى لا نلجأ للتكرار، حيث إن الكتاب المقدس للنصرانية يتضمن ذلك الكتاب الذي بين يدي اليهود تحت ما يُسمّى بالعهد القديم، وذلك مع عدم تركيز النصرانية عليه لما يتضمنه من أجزاء أخرى تحت مُسمّى العهد الجديد.
فالدعوى إلى القتل وعدم الرحمة إنما هي محض افتراء من اليهودية على الله تعالى، نابع من تلك العنصرية المقيتة التي تدعوا إليها، من خلال الكتاب الذي بين يديها، والذي يقوم بترسيخها في الأذهان منذ الطفولة والنشأة المبكرة.
4- الدعوة إلى الزنا والاغتصاب والاعتداء
حيث إن المتصفح لكتاب اليهودية يفاجئ بل يُصعق بذلك الكمّ الضخم الهائل من حالات الزنا والاغتصاب والاعتداء المذكورة فيه، لا سيما زنا المحارم، مع وصف دقيق لتلك المشاهدة المتدنية من الزنا جزءً بجزء، ابتداءً من أول الحدث إلى نهايته، وكأنها دورات تدريبية متخصصة في كيفية ممارسة أحطّ أنواع الجنس، وما نسطره ليس بالكلام المبالغ فيه، بل إنه قليل من كثير، وكتابها (كتاب اليهودية) برهان ذلك.
ومن النماذج التي توضح ما ذكرنا ما جاء بـ (سفر التكوين، إصحاح 38).
بل إننا نجد أيضًا أن كتاب اليهودية يتضمن قصصًا للعاهرات (الزواني)، مع وصف فاضح لعُهرهن، وتصوير دقيق لتلك المشاهد القذرة من الزنا، ولولا التعفّف لسطرنا تلك النصوص الواردة في كتاب اليهودية لبيان مضمونها ومحتوياتها.
فقراءة مثل تلك الأنواع من القصص الفاحشة التي يذكرها كتاب اليهودية، تفتح الباب المغلق لممارسة مثل تلك الأنواع القذرة من الرذائل والفواحش، لما فيها من إثارة للغرائز الجنسية بشكل كبير، ولما لها من دور أساسي في تشكيل نوع العقلية للقارئ لها، حيث إن من يقرأ عن الجنس والإباحية ويتعوّد ذهنه على مثل ذلك، فإنه لا يلبث إلا وتتصعد معه الأمور، وتنحل القيم، ثم يجد نفسه منغمسًا في ذلك الوحل.
وذلك، لأن من يقرأ موادًا فاسدة، فإنه بالتبعية يصير العقل فاسدًا تمامًا، كالحيوان الذي يأكل الخبائث والقاذورات (كالخنزير) فإن لحمه يصير خبيثًا قذرًا.
ومن المُحال في حق الله تعالى أن ننسب إليه مثل ذلك الذي ينص عليه كتاب اليهودية، من دعوة إلى الزنا والاغتصاب والاعتداء، عن طريق الإثارة للغرائز الجنسية من خلال تلك الأنواع المختلفة من القصص الفاحشة التي ينص عليها.
وذلك الذي أشرنا إليه هو سِرّ تزعّم المنظمات اليهودية لترويج مثل تلك المشاهد والأفلام الإباحية في العالم أجمع، من خلال العقلية التي قد تشكلت تبعًا لما ينص عليه كتابهم، ويُروّج له.
وبمشيئة الله تعالى، سوف نذكر بعض من مواضع تلك الفقرات التي ينص عليها كتاب اليهودية أيضًا في نقطة لاحقة خاصة بما يدعوا إليه الكتاب المقدس للنصرانية، وذلك حتى لا نلجأ للتكرار لأنه كما أوضحنا فإن الكتاب المقدس للنصرانية يتضمن كتاب اليهودية بمحتوياته تحت ما يُسمّى بالعهد القديم.
5- بعض من الدعاوى التي تَزعمها اليهودية بالمرأة
ومن ذلك:
أ- الزعم بأن المرأة إذا حاضت، فإنها تكون نجسة، ليس ذلك فحسب، ولكن كل شيء تمسّه، بل ومع تطهيره لا يطهر إلا بغروب الشمس، كما جاء في (سفر اللاويين إصحاح 15).
ولا شك أن ذلك الذي ينص عليه كتاب اليهودية ليس بصحيح، وأنه محض افتراء، لأنه لا يكون نجسًا إلا موضع الحيض فقط، وبإزالة الحيض لا تكون هناك نجاسة.
ب- الزعم بأن المرأة إذا ولدت ذكرًا تكون نجسة لمدة أسبوع، وإذا ولدت أنثى تكون نجسة لمدة إسبوعين، كما جاء في (سفر اللاويين إصحاح 12 عدد 1).
ولا شك أن ذلك محض افتراء على المرأة، لأن ذلك الذي ينص عليه كتاب اليهودية ليس بصحيح، غير أنه لا يوجد فرق في ذلك الأمر بين ولادة الذكر وولادة الأنثى.
ج- تحريم الزواج من الأرملة والمطلقة، كما جاء في سفر (اللاويين إصحاح 21، عدد 14).
ولا شك أن ذلك الذي ينص عليه كتاب اليهودية ليس بصحيح، وأنه محض افتراء.
وننوه إلى:
أنه إذا ما ذُكر كلام مطابق لما ذكرنا في هذه النقطة، بجزئية أخرى تحت عنوان – إلى أي شيء يدعو الكتاب المقدس للنصرانية – فإن ذلك لا يعني التضارب والاختلاف في تبويب ما ذكرنا.
حيث إن السبب في ذلك هو ما نكرره ونؤكده للإيضاح والبيان وعدم الالتباس، من أن الكتاب المقدس للنصرانية يتضمن كتاب كتاب اليهودية تحت مُسمّى العهد القديم.
وغير ما ذكرنا الكثير والكثير مما يعجُّ به كتاب اليهودية من دعوة إلى ما يتنافى تمامًا مع الفطر السوية والنفوس الزكية والعقول الرشيدة، ولكن نكتفي بموجز ما أشرنا إليه، للانتقال إلى نقطة أخرى.
فقدان مصداقية كتاب اليهودية
لقد أوضحنا في السابق أن التوراة التي أنزلها الله تعالى على نبيه موسى عليه السلام قد أصابها التغيير والتبديل والتحريف، بعدما نالت منها الأيدي الخفيّة ذات المصالح والمطامع والانقياد تبعًا للأهواء والشهوات.
لذلك، فإن ما بأيدي اليهودية ليست أبدًا بالتوارة التي قد جاء بها نبي الله موسى عليه السلام.
وقد أوضحنا في السابق ما يبرهن على فقدان مصداقية الكتاب الذي بين يدي اليهودية اليوم في عدة نقاط، حيث يتبيّن منها:
فساد المعتقد في ذات الله تعالى وفي صفاته وأفعاله، والافتراءات الكاذبة المنسوبة إليه.
الافتراءات الشنيعة على أنبياء الله تعالى ورسله، ورميهم بأقبح وأحطّ الافعال والرذائل، على الرغم من الاعتقاد بنبواتهم ورسالاتهم، كالادعاء بأن هارون النبي قد بنى معبدًا للعجل، وعبده وأمر بني إسرائيل بعبادته، كما هو مُصرّح به في (سفر الخروج، باب 132).
والزعم بأن سليمان النبي قد ارتدّ في آخر عمره، وكان يعبد الأصنام بعد الارتداد، وأنه قد قام ببناء المعابد لها، وغير ذلك، ومن ثم القدح في الصفات العليّة لله سبحانه وتعالى، والافتراء عليه جلّ وعلا بسوء الاختيار لأنبياءه ورسله، والجهل بما سوف يصدر منهم من مثيل تلك الأفعال المنكرة القبيحة، ومن ثم الجهل بالغيب.
التكذيب (من اليهود) ومحاولات القتل لكثير من الأنبياء والمرسلين، والنجاح في كثير من تلك المحاولات المنكرة.
الدعوة السيئة إلى القتل والمذابح والإبادات الجماعية لغير الجنس اليهودي، اقتداءً بما نسبوه كذبًا إلى أنبياءهم عند فتحهم لمدن ذات سكان غير يهوديين، وذلك نتيجة العنصرية التي يعتقدون بها، ويقومون بترسيخها في الأذهان، من تفضيل للجنس اليهودي على غيره من الأجناس البشرية الأخرى.
الدعوة إلى الاعتداء والاغتصاب والزنا من خلال افتراء الكثير من القصص الفاحشة، وضمّها إلى محتوياته (كتاب اليهودية)، لقراءتها وإثارة الغرائز الجنسية من خلالها.
وإضافة إلى ما سبق كبرهان على فقدان كتاب اليهودية لمصداقيته:
1- أنه لا يوجد سند متصل لأي من مكوناته (أسفاره).
حيث إنه من اللازم لكون الكتاب سماويًا واجب التسليم به، أن يثبت أولًا بدليل أن هذا الكتاب كُتب بواسطة النبي الفلاني، ثم وصل بعد ذلك بالسند المتصل بلا تغيير ولا تبديل([6]).
والاستناد إلى شخص بمجرد الظن لا يكفي في إثبات أنه كتاب سماوي([7])، ومن ثم فقدان مصداقيته.
2- ومما يبرهن على أن التوراة المشهورة الآن، ليست بالتوراة التي جاء بها نبي الله موسى عليه السلام، ومن ثم فقدانها للمصداقية:
أن الحديث عن نبي الله موسى، نجده يأتي بصفة الغائب، ومثال ذلك:
أن بالتوراة التي بين أيدي اليهودية اليوم، تظهر عبارات: قال الربّ لموسى، قال موسى للربّ .... هكذا.
أي أن الله تعالى ليس هو المحدث، وكذلك نبي الله موسى عليه السلام ليس هو المتحدث، وإنما المتحدث شخص آخر، هو من كتب ذلك، ويتحدث عمّا قال الربّ لموسى، وعما قاله موسى للربّ.
فنبي الله موسى لم يكتب مثل تلك الكلمات، لأنه لو كان هو الكاتب لها لقال: قال الربّ لي وأنا قلت للربّ([8]).
مما يبرهن على أن ما بأيدي اليهودية اليوم ليس أبدًا بكلام الله تعالى، حيث إن ما بين يديها (اليهودية) اليوم ليست بالتوراة التي جاء بها نبي الله موسى عليه السلام.
ومما يؤكد ذلك:
أننا نجد، أن الإخبار بنبأ موت نبي الله موسى عليه السلام يأتي بصيغة الماضي ... كما في (سفر التثنية، الإصحاح الأخير).
فهل يُعقل أن يكتب نبي الله موسى عليه السلام تفاصيل موته وغيرها بصيغة الماضي؟!
بالطبع: لا، لأنه لو كان الأمر كذلك (أن يخبر موسى بتفاصيل موته)، لجاء الكلام بصيغة المستقبل (سوف) لأنه لم يكن قد مات بعد.
ففي أكثر من 700 جملة من الكتاب الذي بين أيدي اليهودية، يتبيَّن أن الله تعالى لم يكن هو كاتبها، وأن كاتبها ليس بنبي الله موسى عليه السلام، ومن ثم فإن كاتبها إنما هو مجهول.
ونختم هذه النقطة بما يشهد به المدققون، الذين هم من أبرز علماء المسيحية، والتي يتضمن كتابها (الكتاب المقدس للنصرانية) محتويات كتاب اليهودية تحت مُسمّى العهد القديم، حيث يقولون في شأن أسفار (التكوين – الخروج – اللاويين – العدد – التثنية) والتي يُفترض أنها من كتب موسى، الآتي:
وهو، أن موسى عليه السلام لم يكتب هذه الأسفار، وإنه ليس بمؤلفها.
فمؤلف سفر التكوين، الذي هو من أول أسفار موسى (لدى اليهودية) مكتوب بين قوسين، وهكذا.
والتساؤل: لماذا بين قوسين؟!!
الجواب: لأنه إشارة إلى عدم كتابة نبي الله موسى لها.
3- وايضًا، نجد أن توراة اليهودية التي بين يدَيها الآن، مليئة بالأخطاء والتناقضات والتحريفات البينة وبمشيئة الله تعالى سوف نشير إلى جزء منها عند الحديث عن الكتاب المقدس للنصرانية، نظرًا لتضمنه لها، واحتواءه عليها، تحت مسمّى العهد القديم، وذلك حتى لا نلجأ إلى التكرار.
وبالإشارة إلى أحد نماذج تلك الاختلافات والتناقضات والتحريف البيّن، نوضح:
أن اليهودية تزعم بغير وجه حق أن إسحاق هو من قُدِّم للتضحية والذبح، عندما أمر الله تعالى نبيه إبراهيم بذبح ابنه في رؤيا له، كاختبار منه سبحانه وتعالى لنبيه إبراهيم، من حيث الانقياد والاستجابة لأوامره، والتنفيذ لها.
فاليهودية تزعم، أن كتابها يقول:
«وامتحن الله إبراهيم، فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق، واذهب به إلى أرض المريا، فأخذ إبراهيم بيده النار والسكين، ونظر وإذا الكبش وراءه» (سفر التكوين، الإصحاح 22، عدد 2).
ولعلنا نلحظ أن الفقرة السابقة من سفر التكوين قد جاء بها كلمة (وحيدك).
وبالمقارنة مع نصين آخرين من كتاب اليهودية، إحداهما يقول: «فولدت هاجر إسماعيل وكان عمر إبراهيم آنذاك ستًا وثمانين سنة» (سفر التكوين إصحاح 16 عدد 15).
والنص الآخر يقول: «وكان عمر إبراهيم مائة سنة حين ولد إسحاق ولده»
(سفر التكوين إصحاح 21 عدد 5)
ومن هذين النصين الآخرين، يتضح أن إسماعيل قد وُلِد قبل إسحاق بـ 14 سنة.
ومن ثم فإن إسماعيل هو من ينطبق عليه لفظة (وحيدك)، لأن إبراهيم عليه السلام لم يكن له ابن سواه إلا بعد 14 سنة من ولادة هاجر لابنها إسماعيل.
أما إسحاق، فلا يمكن أن ينطبق عليه لفظة «وحيدك»، لأنه عندما وُلِد كان لإبراهيم ابن منذ 14 سنة، وهو إسماعيل.
ويُدعّم ذلك ويؤكده: أن كتاب اليهودية ينصّ على أن الولد البكر هو الذي يُقدم للذبح.
وأن النص الذي بكتاب اليهودية قد أفاد بأن الحادثة (قصة الذبح) وقعت عند أرض المريا، وهي في بئر سبع، وهي المنطقة التي عاش فيها إسماعيل مع أمه.
ومما سبق يتبيّن لنا: أن كلمة (إسحاق) في النص الأول المذكور آنفًا في (سفر التكوين إصحاح 22 عدد 2)، ما هو إلا حشوٌ زائد وإقحام بيِّن، ومن ثم يتبيَّن لنا مدى التناقض والتحريف الذي قد نال من كتاب اليهودية، تبعًا للعنصرية المقيتة التي تعمل (اليهودية) على ترسيخها.
ويقول المسيحيون القدماء، بأن اليهود قد حرّفوا التوراة لتصير الترجمة اليونانية غير معتبرة، ولعناد المسيحية.
ومن قليل ما أشرنا إليه بتبيّن لنا بالأدلّة الدامغة والبراهين القاطعة، أن ما بأيدي اليهودية الآن ليست بالتوراة التي قد جاء بها موسى عليه السلام، لِمَا أصابها من التغيير والتبديل، والتحريف والتلويث، من قِبَل الأيدي الخفيَّة ذات المصالح والمطامع، والانقياد تبعًا للأهواء والشهوات.
مما قد حُفظ من التوراة مضمونًا،
إيذانًا بالرسالة الجديدة، العالمية الخاتمة
لقد جاءت التوراة مُخبرة بنبي آخر الزمان محمد r، الذي سوف تُختم به جميع الرسالات، وقد كان اليهود ينتظرونه تبعًا لعلمهم بمجيئه من كتابهم (التوراة)، وهذا هو سرّ وجود اليهود بالمدينة، مهجر النبي محمد r.
ولكن اليهود كانوا ينتظرون خروج هذا النبي المُبشّر به منهم (اليهود)، كغيره من الأنبياء الكثيرين الذين كان خروجهم من بني إسرائيل (اليهود)، ولم يكن بخاطرهم أن خروج هذا النبيّ الخاتم سوف يكون من غيرهم، وهم العرب، والتاريخ نفسه شاهد على ما نقول:
حيث إن اليهود كانوا يتوعّدون العرب بالمدينة، بخروج هذا النبي (نبي آخر الزمان محمد r) الذي ينتظرونه، وقتالهم (اليهود) معه ضدهم (ضد العرب).
فلما كان من مفاجئتهم بخروج هذا النبي الذي ينتظرونه من غيرهم، بل من العرب الذين كانوا (اليهود) يتوعّدونهم بقتالهم معه (النبي الذي ينتظرونه)، اشتدّ ذلك عليهم، وجحدوا نبوته ورسالته، ومن ثم رفضوا اتّباعه، بل خطّطوا مرارًا وتكرارًا لإفساد دعوته، ولصد الناس عنه، بل وقتله، ولكن الله تعالى هو غالب على أمره، وهو مُتمّ نوره ولو كره الكافرون.
وهذا هو سِرّ إيمان أهل المدينة بالنبي محمد r، لما علموا من اليهود أنفسهم الذين كانوا يُخبرون عنه، ويتوعدونهم بقتالهم معه، لا سيما وأنهم (اليهود) أهل كتاب (التوراة).
فاليهود كانوا ينتظرون إنجاز تحقيق 3 نبوءات، وهي:
مجيء النبي يحيى عليه السلام، ومجيء نبي الله المسيح عليه السلام، ومجيء النبي المنتظر بعثتة من بعدهما ولكن اليهود كشأنهم دائمًا في قتل الأنبياء، قاموا بقتل يحيى عليه السلام بعد مجيئه، ولم يؤمنوا بالمسيح عليه السلام، بل حاولوا قتله، وأيضًا لم يؤمنوا بالنبي المنتظر بعثته من بعدهما، وهو النبي محمد r، وحاولوا قتله.
وبمشيئة الله تعالى سوف نذكر بعضًا مما قد حُفظ بكتبهم مضمونًا، إخبارًا بهذا النبي الخاتم محمد r، إيذانًا برسالته العالمية الخاتمة، ومن ذلك:
أولاً: ما يقرأ بلغتهم (العبرية) على النحو التالي:
«ما تَعسو ليوم موعيد وليوم حج يهوه؟
كي هيني هالخو مشّود: مصرايم تقبّصِم، موف تقبرم، مَحْمد لخسبام، قموش ييراشم، حوح بأهليهم» (هوشع 9: 5 – 7).
ونشير بإيجاز إلى التفسير الصحيح لذلك النص على النحو الآتي:
فقول النص: «ما تعسو ليوم موعيد وليوم حج يهوه؟» يعني: ما أنتم عاملون ليوم الميعاد؟، حيث إن النص العبراني يقول: (ل – يوم)، ومعناها (ليوم).
وأما قول النصّ: «كي هيني هالخو مشّود: مصرايم تقبّصِم، موف تقبرم» فيعني: أن هؤلاء – الذين هم بنو إسرائيل – نجوا من البلاء الذي كان على يد فرعون وقومه، وأن مصر تأسرهم، ومنف – وهي مدينة مصرية قديمة – تقبرهم أو تدفنهم.
وأما قول النصّ «مَحْمَد لخسبام». وهو ما نودّ إلقاء الضوء عليه، فيعني: أن النبي محمد r سيتولّى تأديبهم (أي سيتولّى تأديب بني إسرائيل) في أموالهم.
وقد حصل ذلك بالفعل، عندما أجْلَى النبي محمد r يهود بني النضير إلى أعالى الشام وإلى خيبر.
ويُدَلّل على ذلك:
أ- أن قول النصّ «مَحْمد لخسبام»: إنما هو عبارة وجيزة مستأنفة، معناها الحرفي (مُحمّد لمالهم)، فـ (محمّد) اسم علم يشير إلى النبي محمد r، وليست صفة.
ب- أن «مَحْمد لخسبام» جملة مستقلة عن التي بعدها، لأنه إذا تُرجم النصّ حرفيًّا على أساس أن قوله «مَحمد لخسبام» مرتبطة بما يليه «قموش ييراشم» لصار ضمير الجمع يعود على المفرد، وهو ما لا يستقيم في اللغة العبرية.
جـ- أن (فيلهلم جسنيوس) في كتابه (نحو اللغة العبرانية) أورد أن تكون العبارة في أصلها «مَحمدي خسبام».
د- أن النصّ العبري ظلّ أكثر من ألف عام مُجرّدًا عن الحركات، إلى أن اضافها علماء اليهود وفق اجتهادهم، فأصابوا بعضًا، وأخطئوا وحرّفوا بعضًا.
فكلمة (مَحْمد) قبل التحريف كانت (محمد) دون حركات، وهذا ما يُجمع عليه علماء اليهود.
لذلك، فإنه لم يبق إلا الإذعان بأن (محمد) علمٌ يقصد به النبي محمد r([9]).
وننوّه إلى:
أنه قد وردت كلمة (محمديم) أيضًا، ونهاية الكلمة (يم) للاحترام والتفخيم والعظمة، وبإزالة الزيادة يكون الاسم الوارد ذكره هو: محمد.
ثانيًا: لقد جاء بالتوراة التي بين أيدي اليهود اليوم، أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام: «أقيم لهم نبيّا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به».
(سفر الإشتراع 18 : 18).
فهذا النص من النصوص القاطعة أيضًا لدى اليهود، على أن النبي الذي سوف يخرج في آخر الزمان ليس من بني إسرائيل، ولكنه من إخوة بني إسرائيل، وهم بنو إسماعيل.
ونُبيّن ذلك، بأن: إخوة بني إسرائيل إما العرب وإما الروم.
والعرب هم بنو إسماعيل عليه السلام، وإسماعيل عليه السلام هو أخو إسحاق عليه السلام والد يعقوب (إسرائيل عليه السلام).
والروم هم بنو العيص، ولم يقم من الروم سوى نبي واحد, وهو أيوب عليه السلام، وكان قبل نبي الله موسى عليه السلام، فلا يجوز إذن أن يكون هو الذي بشَّرت به التوراة.
لذلك، فإن النبي المُبشّر به في التوراة يكون من العرب (الذين هم بنو إسماعيل)، حيث لم يبقَ غيرهم، وهم إخوة لبني إسرائيل.
ولو كان النبي المُبشّر به من بني إسرائيل، لكان من الممكن أن يقول الله لهم (أقيم نبيًّا منكم)، ولكنه عز وجل قال: «أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم».
وإذا زعم قائل أن النبي المُبشّر به هو يوشع بن نون، يُرَدّ عليه بـ:
أن الله تعالى قال لموسى: «أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مِثلك» ومعلوم أن يوشع بن نون كان نبيًّا من أنبياء بني إسرائيل، ولكن النبي المُبشّر به إنما هو من إخوة بني إسرائيل وليس منهم.
وكما أشرنا، فإنه لو كان النبي المُبشّر به من بني إسرائيل لكان من الممكن أن يقول الله لهم: (أقيم نبيًّا منكم)، وذلك لأن أسباط بني إسرائيل الاثنى عشر كانوا موجودين مع موسى عليه السلام، لذلك فإن المراد من «إخوتهم» هم أولاد إسماعيل عليه السلام، وها هو ما يقبله العقل السليم الصريح.
وقد نصَّت التوراة على: أن إسحاق عليه السلام وأبناءه (الذين هم بنو إسرائيل) هم إخوة لإسماعيل عليه السلام، كما جاء في سفر التكوين (16/12): «وأمام إخوته يسكن» ويؤكد ما ذكرنا، قول الله تعالى لموسى عليه السلام «مثلك».
ومعلوم، أنه لا يقوم من بني إسرائيل نبي مثل موسى عليه السلام، لِما أخبرت التوراة بذلك، يعني: أنه يقوم نبي مثل موسى عليه السلام، ولكنّه ليس من بني إسرائيل.
وبما أن يوشع بن نون هو من أنبياء بني إسرائيل، فإنه ليس النبي المُبشّر به.
وكذلك إذا ما زعمت النصرانية بأن المسيح عليه السلام مثل موسى عليه السلام، فإن ذلك الزعم ليس بصحيح على الإطلاق، وذلك لأن المسيح عيسى عليه السلام ليس مثل موسى عليه السلام، ونُدَلّل على ذلك بالآتي:
أ- أن نبي الله موسى عليه السلام قد جاء بشريعة تامّة، وأما المسيح عيسى عليه السلام فلم يأت بشريعة جديدة، حيث قال: «ما جئت لأنقض، بل لأكمل» (إنجيل متى 5 : 17).
ب- أن مكانة المسيح في النصرانية غير مكانة موسى، لأنه وفقًا لاعتقادها: فإن المسيح إله (حسب زعمها) ولكن موسى ليس بإله، ومن ثم فإم المسيح لا يشبه موسى([10]).
ج- أن النصرانية تعتقد أن المسيح صُلب ومات مفتديًا خطايا العالم، ولكن موسى لم يمت مفتديًا خطايا العالم([11]).
د- أن النصرانية تعتقد أن المسيح مكث في قبره ثلاثة أيام، ولكن موسى لم يفعل ذلك([12]).
لذلك، فإن المسيح عيسى عليه السلام لا يشبه موسى عليه السلام.
إذن فليس المسيح هو النبي الذي بَشّرت به التوراة، ومن ثم يتبيّن بطلان ذلك الادّعاء الذي تزعمه النصرانية.
والحق القاطع: أن المماثلة بين محمد r وبين موسى عليه السلام واضحة جليّة، كرؤية الشمس في وضح النهار، ونُدلّل ذلك على النحو الآتي:
أن كلًا من نبي الله موسى ونبي الله محمد قد وُلِد ولادة عادية، أي من أب وأمّ، ولكن المسيح قد وُلِد من أم فقط.
أن كلا من نبي الله موسى ونبي الله محمد قد تزوج وأنجب أطفالًا، ولكن المسيح بقي أعذبًا.
أن نبي الله موسى ونبي الله محمد قد تقبلهما قومهما كأنبياء خلال حياتهما، وذلك بعدما واجه كلا منها المتاعب والمشاقّ من أجل نشر دعوته ورسالته، ولكن الأمر على عكس ذلك بالنسبة للمسيح، وذلك وفقًا لما جاء في كتاب النصرانية (بإنجيل يوحنا 1:1) حيث يقول: «إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله».
أن كلا من نبي الله موسى ونبي الله محمد قد هاجر من وجه أعداءه، فمحمد r هاجر إلى المدينة، وموسى عليه السلام هاجر إلى مدين.
أن كلتا المدينتين اللتين هاجر إليهما نبي الله موسى عليه السلام ونبي الله محمد r، بينهما توافق في اسم كل منهما، فبين (مدين) و(المدينة) توافق.
أن كلا من نبي الله موسى عليه السلام ونبي الله محمد r حارب أعداءه، وظفر بنصر الله
عز وجل.
أنّ الله عز وجل مَكّن لموسى عليه السلام أن يحكم بين الناس بحكمه جل وعلا، وكذلك فقد مَكّن الله عز وجل لنبيه محمد r أن يحكم بين الناس بكتابه (القرآن الكريم) جل وعلا.
أن كلا من نبي الله موسى عليه السلام ونبي الله محمد r قد جاء بشريعة جديدة تامة، ولكن المسيح عليه السلام لم يأت بشريعة جديدة تامّة، ويتبيّن ذلك مما جاء بكتاب النصرانية، وهو قوله: «ما جئت لأنقض بل لأكمل» (متى 5: 17).
أن كلا من نبي الله موسى عليه السلام، ونبي الله محمد r قد توفّى وفاة بعيدة عن الصلب الذي تزعمه النصرانية بالنسبة للمسيح.
أن كلا من نبي الله موسى عليه السلام، ونبي الله محمد r مدفون في الأرض، ولكن المسيح فإنه حسب زعم النصرانية يبقى في السماء.
ولما أوضحناه، يتبين أن كلمة «مثلك» التي جاءت بنص التوراة، تنطبق على نبي الله محمد r، لا غيره.
ولذا، فإن النبي محمد r هو من كان مثل نبي الله موسى عليه السلام.
ثالثًا: ولقد جاء في التوراة ما يلي:
«جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من ساعير، وتلألأ من جبل فاران» (سفر التثنية 33: 2).
وننوّه إلى: أن الترجمة العربية قد أسقطت بعد عبارة «وتلألأ من جبل فاران» عبارة «ومعه عشرة آلاف قديس»، وهو التعبير الذي يُقابل قول النسخة الإنجليزية من الإنجيل ما يلي: (And he came with ten thousand saints)
وذلك حتى لا تشير الفقرة السابقة إلى فتح مكة على يد النبي محمد r، حيث إنه من المعلوم أن جبل فاران إنما هو بمكة، ومكّة هي مهد رسالة الإسلام التي جاء بها النبي محمد r. ولقد هاجر النبي محمد r من مكّة إلى المدينة بعد التعذيب الشديد من كفّار مكة للمسلمين، ثم رجع النبي محمد r إلى مكة مرة أخرى، فاتحًا لها ومعه عشرة آلاف صحابي جليل، هم من خيرة أصحابه r، وهذا هو ما تعنيه العبارة التي أسقطها مُترجم الإنجيل إلى اللغة العربية، وذلك حتى لا تشير بجلاء ووضوح إلى النبي محمد r وأصحابه الكرام([13]).
ولفهم النصّ السابق من التوراة، نوضح أن:
ساعير: هو اسم جبل في فلسطين.
وجبال فاران: هي جبال بمكة المكرمة، التي هاجر إليها إسماعيل عليه السلام مع أمّه السيدة هاجر.
ومما يؤكد أن جبال فاران هي جبال مكة، ما نصت عليه التوراة «وأقام إسماعيل في برية فاران» (سفر التكوين 21: 21).
وفي ترجمة التوراة السامرية التي صدرت 1851: «أن إسماعيل سكن برية فاران بالحجاز»، وهذا يؤكد أن جبال فاران هي جبال مكة المكرّمة.
ويؤكد ذلك أيضًا من كتبهم (اليهودية، والنصرانية)، ما جاء في (سفر التكوين 21: 14 – 21): «وعاد إبراهيم فأخذ الغلام وأخذ خبزًا وسقاءً من ماء ودفعه إلى هاجر وحمله عليها، وقال لها: اذهبي، فانطلقت هاجر، ونفذ الماء الذي كان معها، فطرحت الغلام تحت الشجرة وجلست مقابلته على مقدار رمية الحجر لئلا تبصر الغلام حين يموت،، ورفعت صوتها بالبكاء، وسمع الله صوت الغلام حيث هو، فقال لها الملك: قومي فاحملي الغلام، وشدّي يدك به، فإنه جاعله لأمة عظيمة، وفتح الله عينها فبصرت ببئر ماء، فسقت الغلام، وملأت سقاها، كان الله مع الغلام فتربّى وسكن برية فاران» (سفر التكوين 21: 14 – 21).
فبما أن الغلام هو: إسماعيل عليه السلام، والبئر هي: بئر زمزم.
إذن: فإن برية فاران هي التي بمكة المكرمة، وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه، ولا بديل له.
ونعود إلى ما جاء في (سفر التثنية 33: 2) في أول هذه النقطة، حيث:
إن النصّ الذي نقلناه من سفر التثنية يُشبّه نبوة موسى عليه السلام بمجئ الصبح «جاء الرب من سيناء».
ويُشبّه نبوة المسيح عيسى عليه السلام بإشراق الصبح «وأشرق لهم من ساعير».
ويُشبّه نبوة محمد r باستعلاء الشمس، وتلألؤ ضوءها في الآفاق، فهو r خاتم الأنبياء والمرسلين، فلا نبي ولا رسول بعده r «وتلألأ من جبل فاران».
ومثل ما نقلناه من سفر التثنية، أشار إليه القرآن الكريم، في قول الله تعالى:
﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ [سورة التين: 1 – 3].
حيث إن:
(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ): إشارة إلى منبتهما، وهي الأرض التي ظهر فيها المسيح عليه السلام.
(وَطُورِ سِينِينَ): إشارة إلى المكان الذي كان فيه نبوة موسى عليه السلام.
(وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ): إشارة إلى المكان الذي بُعث فيه محمد r (وهو مكة المكرمة)، ومن قبله إسماعيل عليه السلام.
رابعًا: ولقد جاء بكتاب اليهودية وصف ونعت لهذا الرسول الخاتم محمد r، حيث جاء في (سفر إشعيا 29: 12):
«يُدفع الكتاب إلى من لا يعرف الكتابة، فيقال له: اقرأ هذا، فيقول: لا أعرف الكتابة».
فمن يكون هذا النبي الأمّيّ؟!
لا شك، أنه هو النبي محمد r، حيث إنه كما هو معلوم، كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب. فكانت أمّيّة رسول الله r شاهدة بنبوته وصدق رسالته، فهو r الأمِّيّ الذي علّم البشرية كلها متعلمها وجاهلها.
فهو r الذي علم البشرية قاطبة معنى التوحيد، والعبادة الخالصة لله عز وجل.
وهو r من جاء بهذا الشرع القويم، والتعاليم السامية، والأخلاق الرفيعة، والمعاملات الكريمة.
خامسًا: ولقد جاء في التوراة أن الله قال لموسى:
«فأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به» (سفر التثنية 18: 18).
حيث تنطبق هذه البشارة على النبي محمد r، ويدلِّل على هذا:
أن النبي محمد r كان يبتدأ تلاوته للقرآن الكريم بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم، وهي مُفتتح سور القرآن الكريم عدا سورة (التوبة).
والمسلمون يقرأون في مُفتتح سور القرآن الكريم (كلام الله تعالى): بسم الله الرحمن الرحيم، ومنها نتعرف على بعض أسماء الله تعالى وصفاته الحسنى.
سادسًا: ولقد نصّ أيضًا (سِفر الاستثناء) على وصف لقوم النبي محمد r، الذي أُرسل إليهم، حيث جاء به:
«هم أغاروني بما ليس بإله، وأغضبوني بمعبوداتهم الباطلة، وأنا أيضًا أغيرهم بما ليس شعبًا، وبشعب جاهل أغضبهم» (إصحاح 32، سفر الاستثناء 11).
ولا شك، أن هذا الوصف هو وصف لقوم النبي محمد r قطعًا، حيث إنهم لم يكونوا شعبًا، بل كانوا قبائل متناحرة متفرقّة، بغير ملك أو سلطان أو رئيس ...، إضافة إلى أنهم كانوا جاهلين بالقراءة والكتابة سوى القليل.
ولكن بعد مجيء النبي محمد r صاروا إخوانًا متحابّين، متكاتفين، وأصبحت لهم دولة عظيمة، وهي دولة الإسلام، قائدها وحاكمها هو النبي محمد r، وقد ذلّت لها أعظم إمبراطوريتين آنذاك (الفرس والروم)، وتقدّمت في شتى مجالات العلوم آنذاك، وقت تمسكها بهدي نبيها محمد r وبما حثّ عليه.
وقد حاول بعض علماء اليهود كذبًا أن ينسبوا تلك الجاهلية إلى الشعب اليوناني، من أجل أن يصرفوا ما يشير إليه ذلك النصّ السابق من وصف للعرب في جاهليتهم، ومن ثم صَرْف البشارات بالنبي المنتظر بعثته في آخر الزمان، والتي جاءت بكتبهم إلى غير النبي محمد r، ولكنهم خابوا في ذلك وفشلوا، لأن اليونان من قبل ظهور المسيح بمئات السنين كانوا متفوقين في العلوم والفنون، وسائر كتب العهد القديم التي يزعمونها.
ومن قليل ما أشرنا إليه يتبيّن لنا حفظ الله عز وجل لذكر نبيه الخاتم محمد r ووصفه، بالتوراة، التي بين أيدي اليهود، إيذانًا ببعثته، ورسالته العالمية الخاتمة.
عقيدة النصرانية في الإله الربّ سبحانه وتعالى، وكيفية ترويجها،
وكيف صار المسيح إلهًا عندها
لقد خرجت النصرانية في عقيدتها بالإله الربّ سبحانه وتعالى عن حدّ المعقول وباهتت ضرورياته، حيث قد نسبت إلى الإله الخالق ما تأباه الفطر السوية الزكية، وما لا تقبله العقول السليمة الرشيدة، دون أدنى حجّة أو برهان على مثل ذلك، وإنما هي الأوهام الكاذبة، والافتراءات الباطلة.
فنجد أن النصرانية تتكلم عن ذات الله عز وجل وفقًا لما تمليه الأهواء، دون أدنى حياء منه سبحانه وتعالى، حيث تدّعي (النصرانية) أن الله مُرَكَّب من ثلاثة أقانيم، متمثلة في الآب والابن والروح القدس، أي أنها تصفه بأنه عبارة عن مركّب من ثلاثة أجزاء، وكل جزء من تلك الأجزاء الثلاثة تزعم فيه الألوهية.
ومن البديهي أن ذلك المُرَكّب الذي يتكون منه إله النصرانية المزعوم مُفتقر في تحقّقه إلى غيره من الأجزاء، وذلك الوصف بكل تأكيد لا يمكن أن يليق بذات الله سبحانه وتعالى، فالله جلّ وعلا
لا يمكن أن يكون مفتقرًا إلى غيره (تعالى الله جلّ وعلا عن إفك النصرانية علوًا كبيرا).
ونجد أيضًا أن النصرانية تدّعي تجسيم الإله، وتُحجّمه، عن طريق تصورها بأن الله جالس على العرش، وأن ابنه جالس عن يمينه، ولا شك أن ذلك كله مُحال للعقل السليم أن يتصوره في ذات الله سبحانه وتعالى.
فالله جل وعلا هو خالق المكان، وهو خالق الزمان أيضًا.
ولذلك، فإن الله سبحانه وتعالى لا يحويه ولا يحدّه مكان، لأنه جلّ وعلا هو خالق المكان.
وكذلك، فإن الله سبحانه وتعالى لا يفنى أو ينتهي بمرور الزمان وانتهاءه، لأنه جلّ وعلا هو خالق الزمان أيضًا.
ولذلك، فإن الله سبحانه أجلّ وأعلى من أن يُنسب مثل ذلك الإفك الذي تفتريه النصرانية عليه.
ونجد أيضًا: أن النصرانية تؤمن بما قد افترته اليهودية على الله تعالى من صفات لا يمكن أن تليق بذاته العلية جلّ وعلا، كالندم والتأسف والحزن، كما في (سفر التكوين 6 :6)، والاستراحة من التعب كما في (سفر الخروج 31: 17)، والنوم والاستيقاظ، كما في (سفر المزامير 78: 65)، والصفير والصفيق كما في (سفر أشعياء 5: 26)، والهتاف والصراخ كما في (سفر أشعياء 42: 13)، وتصويره بالنار الملتهبة كما في (سفر الخروج 24: 17)، ... إلى غير ذلك من الصفات التي لا يمكن أن تليق بالذات العلية لله سبحانه وتعالى، والتي سبق أن أشرنا إلى جزء منها، ولمزيد من التعرف على مثل تلك الصفات التي تنسبها النصرانية إلى الله سبحانه وتعالى، يمكن الرجوع إلى كتاب: عتاد، للشيخ/ أحمد ديدات.
ونجد أيضًا: أن النصرانية قد نسبت إلى الله تعالى الكثير من الأبناء، كما في (لوقا 3: 38).
(تعالى الله عز وجل عن اتخاذ الولد، علوًا كبيرا)
وكما أشرنا، فإن النصرانية تزعم أن الإله عبارة عن مركب من 3 أجزاء أو وجوه أو أقانيم (الآب، الابن ، الروح القدس)، ومع نكارة ذلك الزعم الكاذب، إلا أننا نجد أن النصرانية تقول بأن الابن، الذي هو أحد الأقانيم الثلاثة لإلهها المزعوم، إنما هو من نسل بشري، حيث وُلِد من موضع الفرج، وكان قد اختُتِن بعد ولادته بأيام، وكان يرضع من ثدي أمه، وكان يأكل ويشرب الخمر (وفقًا لما تزعمه النصرانية)، وكان يبول ويتغوّط، ... إلى غير ذلك من الصفات المُحال قبولها في الذات العليّة للإله الخالق جلّ وعلا.
ومن العجيب: أنه يدخل في نسل إله النصرانية المزعوم (الابن، كأحد أجزاء إله النصرانية) ما ينصّ كتابها على أنهم أولاد زنا، (فارض وزارح) من ثامار.
تعالى الله عز وجل عن مثل تلك الافتراءات علوًا كبيرا
ومن المُناقض للعقل الرشيد، أيضًا:
أن من صفات ذلك الابن الذي قد ألصقته النصرانية بإلهها المزعوم، كجزء من طبيعته الألوهية، أنه كان مُتعبِّدًا، كما في إنجيل مرقس (1: 35)، والتساؤل:
إذا كان ذلك الابن إلهًا كما تزعم النصرانية، فمن كان يعبد؟!
فلا يتعبّد إلا من كان مخلوقًا، وليس إلهًا خالقًا،
لذلك، فإنه يتبيّن لنا تناقض عقيدة النصرانية بشهادة كتابها مع صريح العقل السويّ.
بل إننا نجد أن من صفات ذلك الابن المزعوم الذي قد نسبت إليه النصرانية الألوهية، كجزء من طبيعة إلهها، أنه (كما أشرنا) كان يشرب الخمر، كما في إنجلي متى (11: 19)، ولوقا (7: 34)، وذلك مِمَّا لا يُتصوّر في إنسان نقي الفطرة، سوي العقل، كريم فاضل، فكيف يُتصوّر نسبه كفعل لإله خالق؟!!
لا شك، أن ذلك من محض افتراءات النصرانية وكذبها على الله تعالى.
ونجد أيضًا، أن ذلك الابن المزعوم الذي قد نسبت إليه النصرانية الألوهية كجزء من طبيعة إلهها، كان قد جُرّب من الشيطان، بمعنى: أن الشيطان قد جَرَّبه وضلّله أربعين يومًا، كما في إنجيل مرقس (1: 12 – 13)، وانه (الابن، الذي قد نسبت إليه النصرانية الألوهية) كان يبكي ويحزن ويكتئب، وأنه كان ضعيفًا، كما يتبين ذلك من كتابها (الكتاب المقدس للنصرانية)، على النحو الآتي:
يوحنا (11: 35)، متى (26: 37)، متى (26: 38)، مرقس (14: 33)، لوقا (32: 44)، على الترتيب. وأنه (الابن، الذي قد نسبت إليه النصرانية الألوهية) كان يخاف ويهرب متخفيًّا، وأنه كان قد تمّ القبض عليه، وأسْرِه وتقييده، كما ينصّ على ذلك كتابها، في إنجيل يوحنا (7: 1)، يوحنا (8: 59)، يوحنا (18: 12 – 13)، على الترتيب.
بل إنه (الإله الابن المزعوم) قد بُصق في وجهه، ولُطِم أيضًا على وجهه، ولم يستطع فعل أي شيء، كما يتبيّن ذلك من كتاب النصرانية في إنجيل لوقا (22: 63 – 64)، إنجيل متى (26: 27)، إنجيل يوحنا (18: 22 – 23)، ولم تكتف النصرانية في توهّماتها وادّعاءاتها على ما أشرنا إليه فحسب، بل إنها تقول بأن ذلك الابن الذي قد نسبت إليه الألوهية، قد مات على الصليب بعدما أُهين وعُذِّب، وبصق في وجهه، ولُطِم عليه، وتجعل من ذلك عقيدة لها.
ولا شك، أن ذلك الذي تزعمه النصرانية، لا يمكن أن تقبله فطرة سويّة أو عقل رشيد، منسوبًا إلى الإله الخالق جلّ وعلا.
تعالى الله عز وجل عن كل تلك الادّعاءات الكاذبة والافتراءات الباطلة، علوًا كبيرا.
وأما بالنسبة للجزء الثالث، الذي يتكون منه الإله المزعوم للنصرانية، وهو (الروح القدس)، فإن الادّعاءات التي تُروجها (النصرانية) حوله تعطي الفرصة للملحدين والمتشكّكين، كأداة للطعن في وجود الإله الخالق، وإرساله للرسل والرسالات، لِما في ادّعاءاتها من خيالات وتناقضات لا يقبلها عقل مفكر ومتدبّر([14]).
ومثال ذلك: ما ينصّ عليه كتاب النصرانية عند حديثه عن السيدة مريم وكيفية حملها بالمسيح، حيث يقول: «فأجاب الملاك وقال لها، الروح القدس يحلّ عليك» (إنجيل لوقا 1 : 35).
والروح القدس كما أشرنا هو إله عند النصرانية، حيث تزعم أنه أحد الأجزاء الثلاثة التي يتكون ويتركّب منها إلهها المزعوم.
وبالنسبة للفقرة السابقة، فإن القارئ لها يتصوّر ذلك المشهد وكأنه مشهد جماع بين رجل وزوجته، فما بالنا وأن السياق حول الخالق الذي تزعمه النصرانية متمثلًا في الروح القدس، وحول المخلوق (السيدة مريم)([15]).
لا شك، بأن نكارة السياق تحول بين استساغة الفطرة النقية له بأي حال من الأحوال، مما يتيح فرصة ذهبية للملحدين ومنكري الألوهية من أجل ترويج بضاعتهم وأفكارهم الفاسدة.
أعاذنا الله تعالى من تلك الافتراءات التي تدّعيها النصرانية، وحفظنا منها.
فاللغة المستخدمة في الأناجيل لغة بغيضة إلى النفس، لغة الدرك الأسفل من حضارة المدن([16])، حيث لا يمكن لعقل رشيد أن يتقبلها على أنها وحي من الله عز وجل.
ومن ثم يتبيّن لنا: أن الكتاب المقدس للنصرانية ليس إلا صناعة بشرية من أعداء الله تعالى، وأعداء دينه وأعداء أنبياءه ورسله.
ونجد أيضًا أن النصرانية تتصور الروح القدس (أحد الأجزاء الثلاثة التي يتكون منها إلهها المزعوم) أنه كان ينزل في صورة الحمامة، كما في إنجيل متى (3: 16)، ولا عجب في مثل تلك العقلية التي كانت قد صوّرت الإله المعبود مُجسّدًا في صورة بشرية (حيث ولادته ونزوله من موضع الفرج لأمه، ورضاعته وختانه في اليوم الثامن، ثم بعد أن كبُر صار يأكل ويشرب وينام، ويبول ويتغوّط لإزالة ما في بطنه من فضلات طعام وغيره، ثم الاعتقاد بصلبه وموته بعد أن أهين وعُذِّب وبُصِق في وجهه) أن تتصور بعد ذلك ما تشاء، وأن تجعل من ذلك التصوّر معتقد لها.
(تعالى الله عز وجل عن إفك النصرانية علوًا كبيرا)
ومن قليل ما أشرنا إليه من عقيدة النصرانية في الإله الربّ سبحانه وتعالى، يتبيّن لنا:
أن النصرانية قد نسبت إلى الإله الخالق من الصفات الناقصة والمعيبة والمذمومة، ما لا تقبله النفوس الزكية والفطر النقية والعقول الرشيدة، في الذات العليّة لله سبحانه وتعالى فتعالى الله عز وجل عن كل ما لا يليق بذاته العليّة مما قد افترته النصرانية وغيرها، علوًا كبيرا.
كيفية ترويج النصرانية لمعتقدها
ولتوضيح تلك النقطة بإيجاز، نوضح:
أن الداعين للنصرانية يحاولون وضع من يقومون بتنصيرهم (إدخالهم في النصرانية) تحت اختيار جبري من بين عدة اختيارات، وفقًا لأساليب خبيثة ملتوية.
فهم (الداعون للنصرانية) عندما يقومون بممارسة مهامهم، فإنهم يقولون لفريستهم ممن وقع بأيديهم (ممن ليس لديه سوى القليل من العلم)، لمحاولة اقناعهم بألوهية المسيح، الآتي:
إما أن يكون المسيح إلهًا أو كاذبًا أو مجنونًا، زاعمين بذلك أنه مفروض على من يجيب، الاختيار فقط من بين تلك الاختيارات الباطلة.
ولكن البديل الصحيح المعقول (المخالف لأهواء المبطلين) والذي لم يُدرج ضمن البدائل، هو: أن المسيح عليه السلام إنما هو نبي مرسل([17])، وأن المعجزات التي قد أتى بها إنما هي من عند الله تبارك وتعالى تأييدًا لدعوته ورسالته.
وأيضًا، فإن المبشرين للنصرانية عندما يقومون بمهامهم التنصيرية، يقومون بالتركيز على:
الصغير، الذي لم يكن له من يُعرفه بالإسلام ويرشده إليه، حيث يقومون بتنشأته على معتقداتهم الباطلة ودعواهم الكاذبة.
الفقير الذي قد اشتدّ به الفقر، وطال احتياجه إلى ما يسدّ به جوعه، حيث يستغل المبشرون للنصرانية ذلك بأن يُغرونهم بالمال، ويقدّمون لهم المساعدات والخدمات والأموال من أجل إدخالهم في النصرانية، وما يقوم به الداعون للنصرانية في البلاد الفقيرة، لا سيما بقارة إفريقيا وغيرها، برهان ذلك.
من يبغي الوصول إلى غاية من الغايات (كمنصب من المناصب)، حيث يستغل المبشرون للنصرانية ذلك، بأن يُيسّروا له الوصول إلى غايته على أن يدخل بعد ذلك في النصرانية.
ولا شك أن النصرانية تستخدم الوسائل الإعلامية المختلفة من أجل بث سمومها ومعتقداتها الباطلة، والترويج لها، لا سيما وأنها تمتلكها وتتحكّم فيها.
كيف صار المسيح إلهًا عند النصرانية
ولتوضيح هذه النقطة بإيجاز، نبيّن:
أن المسيحيين الأوائل لم يكونوا بعيدن عن المفهوم الإسلامي الصحيح.
فلم يكن المسيح إلهًا في معتقد المسيحيين إلا بعد مرور أكثر من ثلاثمائة سنة من مولده، بعد أن انحرف معتقدهم عن الحق، وصار أُلعوبة بين قساوستهم.
فلم يكن المسيح إلهًا في النصرانية، إلا في مُجمّع (نيقية) الذي قد انعقد سنة 325 للميلاد، وفيه تقرّر بزيادة صوت واحد فقط بين المقترعين أن المسيح إله (تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا).
والعجيب: أنه إذا نقص ذلك الصوت لبقي المسيح في النصرانية بشرًا رسولاً، كما يقول الدين الإسلامي الحنيف، حفظنا الله تعالى به، وهدى الناس إليه، آمين.
بعض من الصفات التي تنسبها النصرانية
إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى
بداءة نوضح: أن النصرانية قد جمعت بين كل من الصفات المعيبة الناقصة التي قد نسبتها اليهودية إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى، من سوء اختيار للأنبياء والرسل، وجهل وعدم علم بالغيب والمستقبل، ومن عنصرية وفظاظة وتحيّز، ومن ندم وتعب، ... إلى غير ذلك مما قد أوردنا جزءً منه في السابق (في عقيدة اليهودية في الإله الرب سبحانه وتعالى)، وذلك لتضمن الكتاب المقدس للنصرانية لكتاب اليهودية، واحتواءه له تحت مسمّى العهد القديم، وبين ما نسبته هي (النصرانية) افتراءً وزورًا، وألصقته بالإله الربّ سبحانه وتعالى من اتخاذ للولد تحت ما يُسمّى بتجزئة الإله إلى ثلاثة أقانيم، ... وإلى غير ذلك مما قد أشرنا إليه في السابق مع توضيح لفساده وبطلانه.
وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح في هذه النقطة مزيدًا مما قد نسبته النصرانية إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى من صفات معيبة وناقصة، والتي لا يمكن لعاقل نقي الفطرة أن يقبلها في حق الله سبحانه وتعالى.
ومن تلك الصفات المعيبة الناقصة التي قد نسبتها النصرانية إلى الله سبحانه وتعالى، الآتي:
- أنها قد نسبت إليه سبحانه وتعالى صفة النوم، حيث تشبه الإله الرب سبحانه وتعالى بالإنسان المستيقظ من نومه، والكريه رائحة الفم، حيث ينصّ الكتاب المقدس للنصرانية على الآتي: «فاستيقظ الربّ كنائم جبار مُعيّط من الخمر» (المزامير 78: 65).
تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا
- ولقد صورت النصرانية الإله الربّ سبحانه وتعالى بالفظاظة والدموية والوحشية، وتصفه بأنه يصعد من أنفه نار ودُخان.
ففي (سفر صموئيل الثاني: إصحاح 22، عدد 2)، نجده يقول:
«خرج دخان من الربّ، خرجت نار من أنفه».
تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا
ولا شك، أن النار رمز للحريق والحرب، ورمز للخراب والدمار، بعكس الضياء والنور.
- ومما ينص عليه كتاب النصرانية، تأكيدًا لذلك التصوير الذي تتصوّره النصرانية في الإله الربّ سبحانه وتعالى، الآتي:
حيث إنه ينسب (كتاب النصرانية) إلى الله تعالى، أنه قد أمر بني إسرائيل بالانتقام من قبيلة عماليق، قائلًا لهم:
«اقتلوا كل رجل وامرأة وطفل ورضيع وبقر وغنم وجمل وحمار»، كما في (سفر صموئيل الأول، إصحاح 15، عدد 2).
ثم ينسب كتابها إلى الله تعالى، أنه قال لهم أيضًا:
«لا تشفق أعينكم ولا تعفوا الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء، اقتلوا للهلاك، نجسوا البيت واملأوا الدور قتلى»، كما في (سفر حزقيال، اصحاح 9، عدد 5).
إلى غير ذلك مما تتصوره النصرانية في الإله الربّ من ظلم ودموية ووحشية.
تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا
- ولقد نسبت النصرانية إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى صفة الصفير، أي أنه كان يُصفِّر ويصدر عنه صفير، كما في (سفر أشعياء 5: 26)، وأيضًا (زكريا 10: 8).
تعالى الله عن مثل ذلك علوًا كبيرا
- ولقد نسبت النصرانية إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى صفة التصفيق، أي أنه كان يُصفق بيديه، كما في (سفر حزقيال، اصحاح 12، عدد 71).
تعالى الله عن مثل ذلك علوًا كبيرا
- ولقد نسبت النصرانية إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى من الصفات ما تأنف منه الفطر النقيّة والنفوس الزكيّة، ويرفضه كل عقل رشيد، كأن تثبت له وجود الفرج كوصف له، كما في (الفقرة 7 من الزبور الثاني)، وأن تثبب له وجود الدّم كوصف له، (كما في الفقرة 28 من الباب العشرين) من أعمال الحواريين.
إلى غير ذلك من إثبات الرأس والشعر والوجه والقفا والأذن والعين والأجفان والبطن والقلب والظهر.
تعالى الله عن مثل تلك الافتراءات والأكاذيب علوًا كبيرا
وغير ما ذكرنا الكثير والكثير مما قد نسبته النصرانية إلى الإله الربّ سبحانه وتعالى، من صفات يُستحى اللسان عن ذكرها تعفّفًا عند نسبها إلى الله تعالى وإلصاقها به.
تناقض عقيدة النصرانية، ومن ثم بطلانها
لقد تم إيضاح جزءً من العقيدة الفاسدة للنصرانية في الإله الخالق، بالنقطة السابقة، وبعون الله وتوفيقه سوف نوضح في هذه النقطة جزءً من ذلك التناقض البيّن في تلك العقيدة (عقيدة النصرانية) ومن ثم بطلانها:
أولًا: نوضح: أنه لا يوجد في كافة الأناجيل المطروحة مع اختلافها تصريح واحد، أو عبارة واحدة لا تحتمل الالتباس أو التأويل يدّعي فيها المسيح أنه الله، أو يقول فيها (اعبدوني)([18]).
مما يدل على أن التأويل الذي تأولته النصرانية، إنما هو تأويل في غير سياقه من أجل نشر ما تزعمه وتعتقده، ومن ثم فإن ذلك التأويل إنما هو تأويل باطل.
ثانيًا: إن عقيدة التثليث التي تؤمن بها النصرانية إنما هي زعم باطل بما ينص عليه كتابها المقدس من أقوال المسيح التي تنسب إليه الألوهية.
ومثال ذلك، لا الحصر: أن إنجيل يوحنا، نجد فيه أن المسيح يقول:
«وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك، أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته» (إنجيل يوحنا، الباب 17 الفقرة 3).
فيتبيّن من ذلك: أن المسيح عليه السلام كان يُعلم الناس: أن الله واحد حقيقي، وأن المسيح إنما هو رسول منه، ولم يعلمهم أن الحياة الأبدية أن يعرفوا أن ذات الله ثلاثة أقانيم، ولم يعلمهم أن المسيح إنسان وإله، أو أن المسيح إله مجسم، فلم يعلمهم أيًّا من تلك الأباطيل([19]).
فأقوال المسيح وأفعاله تدل على عبوديته، وليس ألوهية، ويؤكد ذلك ما جاء في كتاب النصرانية، من أن المسيح كان يَخِرُّ على وجهه ويصلي لإلهه، ومن ثم يكون التساؤل:
فعلى أي شيء يدل ذلك الذي قد أوضحناه آنفًا؟! هل يدل على ألوهيته أم عبوديته؟!
بالتأكيد: إن ذلك الذي ذكرناه آنفًا يدلّ على عبودية المسيح لإلهه وخالقه، لأنه إذا كان (المسيح) إلهًا، فلمن كان يُصلي ومن كان يعبد، هل كانت الصلاة والعبادة لإله آخر؟! بالطبع: لا.
لذلك: فإن معتقد اللنصرانية في تأليه المسيح يقود إلى الاعتقاد بعدم وحدانية الله تعالى، وإشراك آلهة أخرى معه، تعالى الله عن كل ذلك الذي تدّعيه النصرانية علوًا كبيرًا.
ثالثًا: إننا نجد أن النصرانية تقوم بتعظيم الصليب، بل وتعبده، وذلك لأحد ثلاثة أمور، وهي:
الأمر الأول: إما لأن الصليب قد مسّ جسد المسيح، وإذا كان الأمر كذلك لألزم النصرانية أن تعظم نوعًا من الحيوانات أيضًا، وهو نوع الحمير، وذلك لأن كتاب النصرانية ينص على أن المسيح قد ركب على الأتان والجحش ومن ثم فإن النصرانية يلزمها أن تتخذ هذا النوع من الحمير إلهًا تعبده، بدلًا من الصليب، ومن ثم الاقتداء بالهنود، حيث عبادتهم للبقر، ومن المعلوم أن البقر أنفع من الحمير.
والتساؤل المهم:
هل يمكن أن يكون الإله الخالق بتلك الصورة الذي يقود معتقد النصرانية من تعظيم للصليب وعبادة له، إلى تصورها؟!!
وهل يمكن للفطر النقية والعقول الرشيدة قبول مثل ذلك المعتقد والتصور في ذات الله تعالى؟!!
بالطبع: لا، فتعالى الله عز وجل عن مثل ذلك علوًا كبيرًا.
الأمر الثاني: وهو أن تعظيم النصرانية للصليب، وعبادتها له، كان بدافع اعتقادها بأنه (الصليب) كان واسطة فداء، وتكفيرًا للخطايا.
وإذا كان الأمر كذلك، لوجب على النصرانية تعظيم يهوذا الخائن، الذي قد دَلّ اليهود على المسيح كي يصلبونه ويقتلونه، ولألزمهم ذلك.
حيث إن يهوذا كان هو الواسطة الأولى، والذريعة الكبرى للفداء الذي تزعمه النصرانية، ولولا أن يهوذا الخائن قد دَلّ اليهود على المسيح، لما أمكنهم الإيقاع والإمساك به (بالمسيح) لصلبه وقتله (مجاراة لمعتقدهم)([20]).
والتساؤل: فهل يمكن للنصرانية أن تعظم يهوذا الخائن الذي قد دلّ اليهود على المسيح لصلبه وقتله، لأنه كان واسطة فداء، وتكفيرًا للخطايا؟!!
وهل يمكن للفطر النقية والعقول الرشيدة قبول مثل ذلك المعتقد الذي تزعمه النصرانية؟!!
بالطبع: لا، فتعالى الله عز وجلّ عن ادّعاءات النصرانية وافتراءاتها علوًا كبيرا.
الأمر الثالث: وهو أن تعظيم النصرانية للصليب، وعبادتها له، كان بدافع زعمها أن دم المسيح قد سال عليه (على الصليب).
وإذا كان الأمر كذلك لوجب على النصرانية تعظيم الشوك المضفور إكليلًا على رأس المسيح عند صلبه وقتله، كما تزعم النصرانية.
ولأنه بذلك يكون الشوك المضفور قد فاز بالمنصب الأعلى من سيلان دم المسيح عليه([21]) (مجاراة لما تعتقده النصرانية).
والتساؤل: فهل يمكن للنصرانية أن تعظم ذلك الشوك المضفور الذي تزعم النصرانية وضعه على رأس المسيح عند صلبه وقتله، نظرًا لسيلان دم المسيح عليه (مجاراة لما تعتقده النصرانية)؟!
وهل يمكن للفطر النقية والعقول الرشيدة، قبول مثل ذلك الزعم الذي تدّعيه النصرانية؟!
بالطبع: لا.
فالفطر النقية والنفوس الزكية والعقول الرشيدة، تأبيى وترفض أيًّا من تلك الترّهات والأوهام التي تقود إليها معتقدات النصرانية.
رابعًا: ونجد أيضًا بالإنجيل الذي بين يدي النصرانية اليوم، ما يشير إلى عدد كبير من الأبناء الذين تنسبهم النصرانية إلى الإله الخالق، كذبًا وزورًا، ومع ذلك فإننا نجد التناقض الكبير في:
أنه إذا ما سُئل نصراني (مسيحي) كم عدد أبناء إلهك (مجاراة لادّعاءات النصرانية)؟
فإنه يجيب بقوله: إنه ابن واحد.
والتساؤل: كيف يمكن القول بأن المسيح هو الابن الوحيد لله، في حين أن الكتاب المقدس للنصرانية ينسب إليه (إلى الله) الكثير من الأبناء (افتراءً وبهتانا)؟؟!
الجواب: هو أنه لا يوجد ردّ نقي، معتبر عند أولي العقول الرشيدة والبصائر النيرة.
ومن ثم، فإنه لا شك بأن ما يزعمه الكتاب المقدس للنصرانية، إنما هو التناقض البيّن، والذي يؤكد بطلان ذلك الادّعاء بأن الله قد اتخذ ولدًا، أو أيًّا مما تزعمه النصرانية من أبناء مكذوبين.
فتعالى الله عن افتراءات النصرانية علوًا كبيرًا.
خامسًا: ومن التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية:
أنها (النصرانية) تنسب إلى الله تعالى الولد افتراءً عليه، وتقول بأن المسيح هو ابن الله المولود، وليس المخلوق.
والتساؤل: كيف يكون مولودًا وليس مخلوقًا؟!
وهل يولد الإله (حيث تزعم النصرانية ألوهية المسيح)؟! وأي عقل راجح رشيد يقبل مثل ذلك؟!
(فتعالى الله عز وجل عن كل تلك الافتراءات علوًا كبيرًا)
فكون المسيح مولودًا، فإن ذلك يعني أنه (المسيح) في احتياج لمن خلقه وأوجده.
ويعني أيضًا، أن المسيح كان قبل ولادته عدمًا، أي لم يكن شيئًا، ومن ثم فإنه لا يملك شيئًا.
ومن ثم يتضح لنا: أن المسيح لم يكن إلا مخلوقًا مُكرمًا من الله تعالى، خلقه المولى سبحانه وتعالى من غير أب، كما خلق آدم عليه السلام من غير أب، بل ومن غير أم أيضًا.
فالمسيحيون باعتقادهم في التثليث وتأليههم للمسيح يزدادون تخبطًا، ووقوعًا في المآزق ذات الحرج الشديد، وبرهان ذلك:
أنه في نسخة الملك جيمس للكتاب المقدس للنصرانية، والتي تُعرف بالنسخة الإنجليزية المعتمدة:
«لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل أو أعطى أو ضحى بابنه الوحيد المولود لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» (يوحنا 3: 16).
أما في النسخة القياسية المنقحة عام 1971، يُقرأ ذلك النص السابق كما يلي:
«لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل أو أعطى أو ضحى بابنه الوحيد لكي لا يهلك .....».
فنلاحظ أنهم قد حذفوا كلمة (المولود) الثابتة في نسخة الملك جيمس، وذلك باعتبارها تلفيقًا واختلاقًا، حيث إن تلك الكلمة المفتراة تسبب لهم الوقوع في مأذق وحرج شديد، ومن ثم قرروا حذفها([22]).
والتساؤل المهم: هل كلام الله يمكن أن يُحذف منه أو يُضاف إليه من قِبَل البشر؟!
وهل يعقل أن يكون ذلك الذي بين يدي النصرانية هو كتاب الله المحفوظ من التبديل والتغيير والتحريف، بعد كل تلك الإضافات والتغييرات والتحريفات من قِبَل علماء النصارى أنفسهم ومن غيرهم؟!
بالطبع: لا، فكلام الله تعالى المحفوظ، لا يمكن أن يعتريه أدنى تغيير من إضافة وحذف، أو تبديل وتحريف.
وإذا كان علماء المسيحية أنفسهم يقومون بمثل ذلك التبديل والتغيير والتحريف في كتابهم الذي يقدسونه، فما بالنا بغيرهم ممن لا يؤمن بمعتقد النصرانية، ويعاديها، بل ويسعى في تحريف كتبابها (كاليهود)؟!
سادسًا: ومن التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية:
أن النصرانية قد غالت في المسيح إلى درجة تأليهه ومن ثم عبادته، في الوقت الذي قد علم فيه الجميع ولادته (ولادة المسيح) بعد أن حملت به أمه (السيدة مريم).
والتساؤل المهم: هل يولد الإله؟! وهل يمكن خروج مثل ذلك الإله المولود، المعبود من قِبَل النصارى، من العضو الأنثوي للمرأة؟!
وهل يمكن لفطرة نقية وعقول سوية قبول مثل تلك التوهمات والافتراءات؟!
بالطبع: لا، فتعالى الله عز وجل عن كل ذلك الباطل، علوًا كبيرًا.
فلو أن الله عز وجل أراد أن يخلق الملايين من المسيح لخلقهم بكلمة منه سبحانه وتعالى، وهي (كن فيكون)، وليس معنى ذلك أن الله تعالى يلزمه أن يلفظ بكلمة (كن)، بصوت واضح مفصل، كما نفعل نحن، ولكن هذه طريقتنا (البشرية) لفهم معنى كلمة (كن)([23]).
فالله سبحانه وتعالى أجلّ من أن يتخذ ولدًا، أو يحتاج إليه.
وصدق الله تعال، إذ يقول: âوَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًاá [سورة مريم: 92 – 93].
لذلك: فإن عقيدة التثليث في النصرانية ليست هي ما جاء بها المسيح عليه السلام، الذي قد أكرمه الله تبارك وتعالى بالنبوة والرسالة، وإنما هي (عقيدة التثليث) فهم متطور، قد انحرف عن الجادّة والصواب على مرّ الأزمنة والقرون.
سابعًا: ومن التناقض الكبير الذي تقع في النصرانية:
أنها (النصرانية) تقول: بأن الإله إنما هو 3 أقانيم، أي أنه مُركّب من ثلاثة آلهة، حيث تزعم بأن: الآب إله، والابن إله، والروح القدس إله، ثم تعود فتقول ولكن هؤلاء ليسوا ثلاثة آلهة، وإنما هم إله واحد.
ثم تستطرد النصرانية، وتقول: بأن الآب هو العظيم، والابن هو العظيم، والروح القدس هو العظيم، ثم تعود فتقول: ولكنهم ليسوا الثلاثة عظماء، بل العظيم الواحد.
ثم تستطرد النصرانية، وتقول: بأن الآب شخص، والابن شخص، والروح القدس شخص، ولكنهم ليسوا ثلاثة أشخاص، ولكنهم شخص واحد([24]).
والتساؤل المهم: بأي لغة تتحدث النصرانية؟!
وهل مثل تلك اللغة يمكن لفطر نقية وعقول سويّة أن تقبلها؟!
بالتأكيد: لا، ولتوضح ذلك:
أنه بافتراض وجود ثلاثة تواءم متشابهة، ولا يمكن التمييز بينهم، لأن الثلاثة متطابقون تمامًا، ثم يكون التساؤل:
أنه إذا ما اقترف أحد هؤلاء الثلاثة جريمة قتل، مثلًا، فهل يمكن إعدام أي من الآخرَين بدلًا منه؟
بالطبع: لا، ومن ثم يكون التساؤل التالي:
لماذا لا يُعدم أحد الثلاثة تواءم بدلًا من الآخر؟
فيكون الجواب: لأن كلًا من هؤلاء الثلاثة تواءم، شخص مختلف عن الآخر، وله شخصيته المستقلّة. وبالمثل، إذا ما طبقنا هذا النموذج الافتراضي في النصرانية، فإننا نجد:
أن النصرانية عندما تقول (الآب)، فإن الذهن البشري لدي معتنقيها (معتنقي النصرانية) يتصور صورة خاصة بـ(الآب) الذي تزعمه النصرانية، وتلك الصورة، هي: أنه ضخم جدًا، ولكنه أشبه بالرجل.
وأنها (النصرانية) عندما تقول (الابن)، فإن الذهن البشري لدى معتنقي النصرانية يتصور صورة (الابن) في شاب ذات مواصفات معينة، مثل أن يكون أزرق العينين، أشقر الشعر، ذا لحية، وهكذا.
أي أن الذهن البشري لدى معتنقي النصرانية لا يتصور (الابن) إلا في تلك الصورة، للشخص ذا المواصفات المعينة، التي قد أشرنا إلى بعض منها.
وأنها (النصرانية) عندما تقول (الروح القدس)، فإن العقل البشري لدى معتنقي النصرانية يتصور له (الروح القدس)، وأنه أشبه بالحمامة، أو أشبه بلهب النهار، كما توضح كتب النصرانية، حيث إن الصورة هنا ليست واضحة تمامًا.
ومن ثم، فإنه يتبيّن لنا:
أن النصرانية لديها ثلاث صور ذهنية مختلفة، لكل من (الآب) و(الابن) و(الروح القدس)، وعندما يُسال معتنقي النصرانية، كم صورة ترون لإلهكم؟
فإنهم يناقضون ذلك كله، ويقولون إنها صورة واحدة([25]).
والتساؤل المهم: على أي شيء يدل ذلك الذي أوضحناه؟
الجواب: لا شك، أن ذلك الاعتقاد الذي تزعمه النصرانية، ما هو افتراء وتوهّم، وأنه أكبر خُدعة للعقل، حيث لا يمكن للفطر النقية والنفوس الزكية والعقول الرشيدة أن تقبل أيًّا من تلك الادّعاءات والتوهّمات.
فلا يمكن لشخص سويّ، ليس بمتعصب، وغير متبع لهوى أن يقبل أيًّا من تلك الافتراءات على الله تعالى، والتي تزعمها النصرانية افتراءً وكذبا، وبهتانًا وزورًا.
ثامنًا: ومن التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية:
أننا نجد أن النصرانية تدّعي ألوهية المسيح، كما أشرنا سابقًا، ونجدها تدّعي أن المسيح قد غفر للمرأة التي قُبض عليها بتهمة الزنا (وفقًا لما جاء في إنجيل يوحنا، إصحاص 8) حيث قال لها المسيح: «إذهبي ولا تخطئي أبدًا».
ولكن، إذا ما كان ذلك الادّعاء بألوهية المسيح (كما تزعم النصرانية) صحيحًا، نتساءل: فلماذا لم يتدخل المسيح، وهو الذي يمثل عنصر المحبّة لدى النصرانية، يوم أن ارتكب آدم وحواء ذنب أكلهما من الشجرة المنهي عنها، فيغفر لهما ولذريتهما من بعدهما، أو يقول لهما «اذهبا ولا تخطئا ثانية» قياسًا لما قاله للمرأة التي زنت وغفر لها، وذلك إذا ما كان إلها كما تدّعي النصرانية، أو أحد أجزاء ثلاثة للإله المزعوم؟!
وإذا لم يتدخل المسيح كي يُغفر لآدم وحواء ذنبيهما، أي عكس ما تزعم النصرانية فعله (المسيح) مع المرأة المشار إليها آنفًا، فعلى أي شيء يدل ذلك؟!
لا شك: أن ذلك يدل على التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية، ويؤكده، مما يبرهن على بطلان معتقدها المخالف والمناقض لأدنى درجات المعقول.
لذلك، فإننا نجد أن النصرانية تتخبّط في ذلك المعتقد الذي تزعمه تخبطًا عظيمًا، ومما يشهد على ذلك واقعيًا:
أنه قد نُقِل أن ثلاثة أشخاص تنصّروا، وعلمهم بعض القسيسين عقيدة التثليث التي تؤمن بها النصرانية، وكانوا (هؤلاء الثلاثة) في خدمتهم، وجاء مُحبّ من أحباء القسيس، وسأله عمّن تنصّر (دخل في النصرانية)؟
فقال القسّ: ثلاثة أشخاص تنصروا.
فسأله ذلك المحبّ: هل تعلموا شيئًا؟
فقال القسّ: نعم، وطلب واحدًا منهم ليُرى مُحبّه؟
فسأل ذلك المحبّ أحد هؤلاء الثلاثة الذين تنصروا عن عقيدة التثليث؟
فقال أحد الثلاثة للقسّ: إنك علمتني أن الآلهة ثلاثة، أحدهم الذي في السماء، والثاني تولّد من بطن مريم، والثالث الذي نزل في صورة الحمام على الإله الثاني بعدما صار ابن ثلاثين سنة.
فغضب القسّ، وطرده، وقال هذا مجهول.
ثم طلب القسّ الثاني من هؤلاء الثلاثة الذين تنصروا، وسأله نفس السؤال عن عقيدة التثليث؟
فقال: إنك علمتني أن الآلهة كانوا ثلاثة، وصلب واحد منهم، والباقي إلهان.
فغضب القسّ عليه أيضًا، وطرده، ثم طلب الثالث من هؤلاء الذين تنصروا، وكان ذكيًا بالنسبة للأوّلَيْن، فسأله القسيس نفس السؤال عن عقيدة التثليث؟
فقال: يا مولاي لقد حفظت ما علمتني حفظًا جيدًا، وفهمت فهمًا كاملاً، وهو أن الواحد ثلاثة، والثلاثة واحد، وصُلب واحد منهم فمات، فمات الكلّ لأجل الاتحاد([26]).
ومن ثم، يتجلى لنا:
أن تلك العقيدة التي تدّعيها النصرانية، إنما هي عقيدة غير صافية، حيث يتخبط فيها الجهلاء، ويتحيّر فيها العلماء.
ولذلك: فإننا نجد أنه قد تقبَّل قسيسين بارزين لما يقوله الإسلام، فيما يتعلق بالمسيح. حيث قد رفض أكثر من نصف أساقفة إنجلترا الإنجليكانيين ألوهية المسيح، وقد نشرت صحيفة (الديللي نيوز) الصادرة بتاريخ 25/6/1984 ذلك، تحت عنوان: دراسة مصدمة حول آراء الأساقفة الإنجليكانيين([27]).
تاسعًا: ومن التناقض الكبير في عقيدة النصرانية:
أننا نجد أن لوقا (أحد مؤلفي أناجيل النصرانية)، والذي تدّعي النصرانية أنه كان مُلهمًا فيما يكتبه، ينسب إلى المسيح في إنجيله الذي ألفه، أنه (المسيح) كان ابن يوسف، وذلك يعني أحد أمرين:
أ- أن المسيح ليس إلها أو ابنًا للإله، حيث إن أبيه معروف لديه (لدى لوقا)، وهو يوسف النجار، وبذلك يكون ما سجله لوقا في إنجيله مخالفًا ومناقضًا للمسيحيين أنفسهم، من حيث تأليههم للمسيح.
ب- أن ذلك يعني: أن السيدة مريم إما:
- أنها قد تزوجت من يوسف النجار، وأنجبت المسيح، ومن ثم فإن ذلك يكون مخالفًا لما عليه المسيحيين بل والمسلمين أيضًا، حيث إن السيدة مريم لم تكن متزوجة.
- أو أنها (السيدة مريم) كانت غير متزوجة من يوسف النجار، وبذلك يكون إنجيل لوقا قد نسبها إلى الفحش والفجور، ومن ثم نَسْب ولدها إلى أنه وَلَد زنا، موافقًا بذلك ادّعاء اليهود،
ولا شك أن ذلك ادّعاء باطل، وكذب محض.
ولذلك: فإننا نجد من يضيف إلى الأناجيل، ويحذف منها، ويبّدل ويغيّر فيها، كيفما يمليه عليه عقله وهواه، كأن يتم إضافة عبارة (على ما كان يُظن) بين علامتي تنصيص، في محاولة للخروج من ذلك المأزق ذا الحرج الشديد الذي أوقعهم فيه لوقا (أحد مؤلفي أناجيل النصرانية) في إنجيله، حيث قد نسب المسيح إلى أنه كان ابن يوسف، موضحًا سلسلة طويلة لنَسبه.
ثم نجد المكر والخداع، والتحريف البيّن، بأن يتم حذف القوسين اللذين بداخلهما عبارة – على ما كان يُظن – لإدراجها داخل إنجيل لوقا كجزءٍ منه، غير مضاف إليه.
وذلك من أجل عدم كشف تلك الألعوبة من عوام معتنقي النصرانية، وأيضًا حتى لا يأخذ أهل الحق ذلك ذريعة للردّ عليهم.
ومما أشرنا إليه، يتضح عظيم التناقض بين اعتقاد النصرانية في ألوهية المسيح، وبين ما نسبه لوقا للمسيح، من أنه كان ابنا ليوسف النجار، موضحًا سلسلة طويلة لنَسبه، وذلك على الرغم من أن لوقا هو أحد مؤلفي الأناجيل التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، والتي تزعم إلهامه.
عاشرًا: ومن التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية:
أننا نجد أنه على الرغم من تأليه النصرانية للمسيح، إلا أن كتابها الذي تزعم قدسيته يناقض ذلك المعتقد، ونموذج ذلك:
أ- أنه جاء في (إنجيل يوحنا 5: 30): أن المسيح كان يقول: أنه لا يقدر على شيء من نفسه، أي أن المسيح كان عديم القدرة إلا أن يعينه الله تعالى، شأنه شأن أي مخلوق، مما يدل على بشريته وعدم ألوهيته.
ب- أنه جاء في (إنجيل مرقس 13: 32): أن المسيح كان لا يعلم موعد يوم القيامة.
أي أن المسيح كان عديم العلم بالغيب، إلا أن يُعلِمه الله تعالى شأنه شأن أي مخلوق، أو أي نبي مرسل، مما يدل على بشريته وعدم ألوهيته.
ج- أن المسيح كان يعطش ويجوع ..، إلى غير ذلك من مظاهر الإحتياج التي يحتاج إليها البشر، مما يدل على بشريته وعدم ألوهيته.
د- وفي إنجيل مرقس، أن رجلًا من اليهود قد أتى المسيح وسأله: ما الأمر الذي يعتبر أول الجميع؟
فقال له المسيح: الربّ الواحد، مما يدل على بشريته وعبوديته للربّ الواحد، ومن ثم عدم ألوهيته، ولو كان ما يُعلّمه المسيح لأتباعه هو عقيدة التثليث، لذكر معنى التثليث لسائله اليهودي.
وغير ما ذكرنا الكثير مما قد جاء في الكتاب المقدس للنصرانية، مؤكدًا على بشرية المسيح وعدم ألوهيته، ومن ثم مناقضة ومخالفة ما عليه النصرانية من تأليه للمسيح وعبادة له.
حادي عشر: ومن التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية إضافة إلى تعدد أناجيلها مع تناقضها واختلافها، والتي قد تم اختيارها لموافقتها ادّعاءاتها:
أننا نجد أنه إذا ما تم اعتماد أيًّا من الأناجيل الأخرى كإنجيل بطرس، والذي يقول بعدم موت المسيح على الصليب لتَغَيَّر شكل المسيحية عن ما هي عليه الآن، لتناقض ما يقوله إنجيل بطرس مع ما تعتقده النصرانية اليوم.
وكإنجيل توماس، الذي يوضح أن اعتقاد النصرانية بصلب المسيح وموته وقيامته من الموت، لم يكن مقطوعًا به في القرن الثالث والرابع، مما يوضح أن فهم النصرانية التي عليه الآن، إنما هو فهم متطور، إذ لو كان ذلك الاعتقاد (الذي عليه النصرانية الآن من تأليه للمسيح، واعتقاد بصلبه وقتله ثم قيامته) هو ما جاء به المسيح، لما حدثت مثل تلك التناقضات والتضاربات في أصل ذلك المعتقد الذي تؤمن به النصرانية.
وفي فلسطين نجد آثارًا لأناجيل أخرى مكتشفة، تقول بأن المسيح قد وُلِد مجرّد إنسان، وهو ما يناقض ألوهية المسيح الذي تزعمه النصرانية، والذي قد تقرّر (ذلك المعتقد الذي عليه النصرانية الآن) في مؤتمر نيقية سنة 325 م بأمر من الامبراطور قسطنطين.
إلى غير ذلك من التناقضات والاختلافات التي تقع فيها النصرانية.
ونختم هذه الجزئية بتساؤل مهم، قد يَرِد في أذهان البعض، وهو:
لماذا لا يكون الإله بتلك الطبيعة التي تعتقدها النصرانية من أنه عبارة عن ثلاثة أقانيم، كالتالي: الإله الآب، والإله الابن، والروح القدس، الذي تزعم النصرانية أنه إله أيضًا، ولكنهم جميعًا إله واحد، وأن الإله الآب قد ضحّى بابنه الإله تكفيرًا لذنوب وخطايا البشر؟
لماذا لا يكون ذلك ممكنًا؟ وهل يُعجز الإله ذلك؟
بداية: نوضح، أننا قد أشرنا إلى إجابة ذلك التساؤل في كتاب: (الإله الخالق ما بين تعظيم المسلمين وافتراءات النصارى والكاذبين وإنكار الملحدين)، وبطرق مختلفة.
وللإجابة هنا في هذه المرة، يُفضل أن تكون الإجابة مختصرة، وأن تكون أيضًا عقلانية، (مثلما كانت الإجابات السابقة)، وهي إجابة جاري ميلر – (أحد المبشرين الكاثوليكيين سابقًا)، مع تصرف بسيط للتوضيح.
وهذه الإجابة هي على النحو الآتي: أن الناس يقعون في خطأ منطقي عندما يقولون أن الله يجوز في حقه أن يفعل أي شيء، فذلك غير صحيح، لماذا؟
لأن الله تعالى لا يجوز في حقه أن يفعل كل شيء، إلا إذا اعتقدنا أنه يقوم بأفعال غبيّة، فهل يفعل الله الحماقات؟! هل يفعل أفعال الضعفاء؟!
هل يفعل التفاهات التي لا يمكن أن يعقلها أو يتقبلها إنسان سوي العقل والفطرة؟!
فالإنسان قد فُطر على تعظيم إلهه وخالقه، وتنزيهه عن فعل أي من تلك الأشياء.
فالله تعالى يفعل الأفعال الإلهية، التي تليق بألوهيتة.
وإذا ما قال قائل أن المسيح إنسان وإله في نفس الوقت، يكون التساؤل الطبيعي له.
هل كان بالإمكان قتله (المسيح) أم لا؟ هل هو عرضة للموت أم أنه مُخلَّد؟
فالإنسان عُرضة للموت والقتل، وأمّا الله تعالى فإنه مُخلّد، لا يمكن موته أو قتله، ومن ثم فإنه لا يمكن الجمع بين الاثنين معًا.
وأيضًا، فإن الإنسان محدود، لا يعرف كل شيء، وأمّا الله سبحانه وتعالى فإنه يعلم كل شيء.
والمسيح الذي تدّعي النصرانية ألوهيته، كان يأكل ويشرب، ومن ثم فهو يقوم بوسيلة الإخراج، وكان قد اختتن في اليوم الثامن، ورضع من ثدي أمه .... إلى غير ذلك من الأفعال البشرية، وقد بُصق في وجهه، وأُهين وصُلب ثم قتل (حسبما تدّعي النصرانية)، وذلك كله مُحال أن تقبله الفطر السوية والنفوس الزكية والعقول الرشيدة في الإله الخالق سبحانه وتعالى.
لذلك: فإننا نستنتج مما أشرنا إليه برهانًا قاطعًا على التناقض العظيم في معتقد النصرانية، ومن ثم بطلانه.
تناقض عقيدة الخلاص،
وبطلان توارث الخطيئة في النصرانية
لقد أوضحنا في النقطة السابقة جزءً من التناقض العظيم الذي تنغمس فيه النصرانية، ومن ثم استنتاج البرهان القاطع على بطلان تلك العقيدة.
وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح جزءً من التناقض في عقيدة الخلاص وتوارث الخطيئة، التي تؤمن بها النصرانية، ومن ثم البرهان على بطلان كليهما.
بداءة نوضح: أن عقيدة التثليث التي تؤمن بها النصرانية، من الاعتقاد بإله مُركّب من الآب والابن والروح القدس، كمرتكز لعقيدتها، قد ثبت في النقطة السابقة تناقضها وبطلانها، ومن ثم فإن ما تفرَّع منها، سواءً كانت عقيدة الخلاص أو توارث الخطيئة أو غيرهما، افتراءٌ باطلٌ وكذبٌ محضٌ، لأن ما بُني على باطل فهو أيضًا باطل.
ومثال ذلك: أنه إذا ما أردنا تشييد بناء من 10 طوابق مثلًا، بدون أساس سليم لذلك البناء، فهل يُعتدّ بذلك البناء، حتى وإن ارتفع إلى الـ 10 طوابق؟!
الإجابة القطعية: بالطبع لا، لأن ذلك البناء بدون الأساس السليم له لا يلبث إلا أن ينهار، أي أنه في ظاهره ما هو إلا صورة فقط، ولكنه خاوٍ، لا يمكن الانتفاع به لفساد أساسه، لذلك فإنه لا يمكن الانتفاع به.
وكذلك النصرانية، فإنها إذا ما ادّعت وجود إله آب، وإله ابن، وإله متمثل في الروح القدس، فإن ذلك ببساطة يقود إلى إثارة تساؤلات عجيبة توقعها (توقع النصرانية) في المآزق ذات الحرج الشديد، ومثال ذلك:
هل ما تعتقده النصرانية من زعم بأن الإله عبارة عن 3 أقانيم من إله آب وإله ابن وإله متمثل في الروح القدس، يعني أن السيدة مريم، والدة المسيح (الذي تزعم النصرانية ألوهيته، وأنه الإله الابن)، هي زوجة الله؟!
أم أن والدا المسيح لم يكونا متزوجين؟!
تعالى الله عز وجل عن مثل تلك الافتراءات علوًا كبيرًا
إلى غير ذلك من التساؤلات المنكرة التي تفرض نفسها عند سماع مثل تلك الادّعاءات والافتراءات التي تزعمها النصرانية، لأنه كما أشرنا بإيجاز، فإن الباطل مُؤدّاه إلى باطلٍ مثله، وإلى مثيل تلك التساؤلات التي قد أشرنا إلى إحداها في هذه النقطة.
وإذا ما أردنا أن نوضح تناقض عقيدة الخلاص، والتي تتمثل في صلب المسيح وموته تكفيرًا لذنوب البشر، فإننا نثير تساؤلاً بسيطًا، وهو:
لماذا كان من الضروري أن يصنع الله بشرًا ثم يُصلب ويموت تكفيرًا لذنوب البشر؟!
ألم يكن الله قادرًا على أن يُكفّر ذنوب البشر دون الحاجة إلى مثل تلك الأوهام والظنون، التي لا تغني من الحق شيئًا؟!
لا سيما وأن الله تعالى هو الذي أعلمنا بأنه هو من يغفر الذنوب ويتوب على العباد إذا ما رجعوا وأنابوا إليه واستغفروه.
لا شك، وأن عقيدة الخلاص التي تؤمن بها النصرانية عقيدة غير مُستساغة فطريًا وعقليًا، بل إنها تفتح الأبواب على مصراعيها لكثير من التساؤلات التي لا إجابة لها، إثر الاختلافات والتناقضات الواقعة فيها، مما يؤكد على: أن مثل تلك العقيدة إنما هي اتباع للأوهام والظنون، وفقًا لما قد أملته الأهواء والشهوات.
ومن العجيب أننا نجد أن المسيح نفسه في الكتاب المقدس للنصرانية، يعلّمهم كيف يُصلّون لله ويعلمهم كيفية الدعاء، حيث قال لهم: «صلوا كذلك، صلوا لله وقولوا: واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن للمذنبين إلينا» (انجيل متى 6: 14).
والتساؤل المهم: أنه إذا ما علّمهم المسيح ذلك من أجل أن يغفر الله خطاياهم ويكفّر عنهم ذنوبهم، فكيف يكون مات تكفيرًا لخطاياهم؟!!
وماذا عن كبائر الذنوب والمعاصي والحرمات التي قد ارتكبتها البشرية من بعده (من بعد صلبه وقتله، كما تدّعي النصرانية)؟!!
فهل تحتاج إلى أن يصلب المسيح وأن يُقتل مرة أخرى، تبعًا لاعتقاد النصرانية بصلبه وقتله تكفيرًا لذنوب آدم وذريته من بعده؟!!
أو أننا نحتاج إلى مسيح آخر ينسب إليه الألوهية، ليؤدي نفس الدور، ونفس العصمة التي قد قام بها المسيح في النصرانية، من أن يُضحي بنفسه ليُصلب ويُقتل تكفيرًا لذنوب آدم وذريته من بعده، في قصة أخرى موهومة لذلك الفداء المزعوم.
فالباطل لا يأتي إلا بباطل مثله، فلو كان ما تدّعيه النصرانية حقًا، لكان احتياج البشرية إلى أن يكون لله المئات، بل الألوف والملايين من الأبناء والأولاد، للتضحية بهم، من أجل تكفير الذنوب والخطايا، لا سيما في هذا الزمان الذي قد انتشرت فيه الرذائل والفواحش والمنكرات جهرًا وعلانية بلا أدنى حياء، بل إن أهل تلك الرذائل والفواحش والمنكرات يدافعون عنها ويروّجون لها، ويدعون إليها تحت العديد من المسميّات الباطلة، والشعارات الزائفة، كالحرية وغيرها.
فتعالى الله عز وجل عن كل تلك الافتراءات التي تدّعيها النصرانية علوًا كبيرا.
لذلك، فإن عقيدة الخلاص التي تدّعيها النصرانية وتؤمن بها، إنما هي عقيدة لا أساس لها من الصحة.
وأيضًا، لتوضيح بطلان عقيدة الخلاص وفكرة توارث الخطيئة، بجلاء، نثير تساؤلاً بسيطًا واضحًا، وهو من أين عرفت النصرانية أن الإنسان يجب عليه أن يدفع ثمنًا لخطاياه وآثامه؟!([28]).
فنجد أن النصرانية تلجـأ إلى إجابة ما، لا أدنى مصداقية لها، فليست إلا مجرّد تفسير تتوهمه، كأن تقول أن الله قدوس والإنسان خاطئ، والله لا يمكنه التعامل مع الإنسان مباشرة.
ولا شك أن ذلك الكلام ليس بإجابة على الإطلاق.
وإذا ما أثرنا تساؤلًا آخرًا لتوضيح بطلان مثل تلك الإجابة السابقة، وبيان عدم مصداقيتها، كأن نتساءل:
من أين الجزم بصحة ما تزعمه النصرانية، حيث لا دليل عليه؟
فإننا لا نجد إجابة، حيث إن المسيح لم يقل في كتاب النصرانية بتضحيته بنفسه من أجل تكفير الذنوب والخطايا لبني البشر، ولم يُعلّمه، ولم يدع أحدًا إلى ذلك القول.
ولكن غير المسيح ممن أسس المسيحية على مثل تلك الأوهام مثل (بولس) هو من قام بالتصريح بمثل ذلك([29])، فكلام المسيح نفسه في كتاب النصرانية لا يتجاوز الـ 10% منه، والتي على الرغم من ذلك تزعم أنه كلام الله.
ونختم هذه النقطة بثلاثة تعليقات لتوضيح التناقض الجليّ بين ما تدعو إليه النصرانية من إدّعاء بفكرة توارث الخطيئة وبين ما ينص عليه كتابها الذي بين يديها، من الرفض لتلك الفكرة المدّعاة، وهي:
أ- أننا نجد أن في (سفر التثنية 24: 16): «لا تقتل الآباء عن الأولاد، ولا يقتل الأولاد، عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يُقتل».
وفي (حزقيال 8: 20): «النفس التي تخطئ هي تموت، والابن لا يحمل من اثم الأب، والأب لا يحمل من إثم الابن، برّ البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون».
ومما أشرنا يتضح: أن فكرة توارث الخطيئة إنما هي مرفوضة بما ينص عليه الكتاب المقدس للنصرانية نفسه، ومع ذلك، فإننا نجد أن النصرانية تؤمن بتلك الفكرة الموهومة كعقيدة لها في قصة الفداء المُفتراة، حيث نجدها تقول: «بالخطيئة حملت بنا أمهاتنا»؟!!
وما ذلك الاختلاف والتناقض إلا لما حدث من التحريف والتضييع في الكتاب المقدس للنصرانية، ومن ثم الخلل في معتقدها، وصدق الله تعالى إذ يقول:
âوَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًاá [سورة النساء: 82].
ب- ونجد أيضًا، في قضية الفداء المزعوم، التي تزعم أن الإله الابن قدّم نفسه للإهانة والصلب والقتل على أيدي اليهود، من أجل التكفير عن ذنب آدم، حيث أكله من الشجرة المنهي عنها، وتكفير ذنب ذريته من بعده لتوارثهم خطيئته، أنها مغلوطة.
حيث إن طبيعة الابن المزعوم (الذي تدّعي النصرانية أنه ابن الله) إما قابلة للموت أو غير قابلة للموت.
فإذا كانت طبيعته قابلة للموت، إذن فهو ليس بإله، ومن ثم لا تصح الدعوى بأنه إلهًا وفاديًا في نفس الوقت.
وإن كانت طبيعة الابن المزعوم غير قابلة للموت لكونه إلهًا، فلم يقع عليه الموت، ومن ثم لم يكن هناك فداء أو أي من تلك الأوهام.
ج- ونجد أيضًا: أن النصرانية قد جعلت الإله الآب الذي تزعمه إلهًا متشددًا وقاسيًا، لا يصفح ولا يعفو، كما في خطيئة آدم، وعاجزًا عن حلّ مشكلته.
ومن جهة أخرى، فقد جعلت النصرانية الإله الابن الذي تدّعيه مُحبًّا للبشر، وفاديًا لهم، يجود بذاته من أجلهم، على الرغم من أنها (النصرانية) تزعم أنه في الأصل منبثق من الآب.
تعالى الله عز وجل عن مثل ذلك الذي تدّعيه النصرانية علوًا كبيرا.
فلقد اشتمل معتقد النصرانية على التناقض في فكرة الألوهية نفسها.
فبينما يوصف الإله بأنه هو الخالق، نجد أنها تنسب إليه الولد.
وهل يكون الولد إذن إلا مخلوقًا، منتفيًا عنه صفة الألوهية!!، مجاراة لزعم النصرانية وادّعاءها، حيث إن الله سبحانه وتعالى أجلّ من أن يتخذ ولدًا.
وبينما يُقال: إن الإله واحد، نجد أن النصرانية تقول: إنه مكون من ثلاثة أقانيم، الآب والابن والروح القدس، ولا شك أن في ذلك مُناكرة للضروريات، حيث أثبتوا آلهة ثلاثة، ثم جعلوا الآلهة الثلاثة إلهًا واحدًا، ومن جعل الثلاثة واحدًا، والواحد ثلاثة، فقد خرج عن حد المعقول وباهت ضرورياته.
لذلك: فإنه مما سبق نستنتج البرهان القاطع ببطلان فكرة توارث الخطيئة، ومن ثم بطلان عقيدة الخلاص التي تدّعيها النصرانية.
هدانا الله جميعًا للحق وأرشدنا إليه، آمين.
عقيدة النصرانية في أنبياء الله ورسله
إضافة إلى ما قد أشرنا إليه في النقطة السابقة، فإننا نوضح: أن النصرانية قد جمعت بين كل من تلك الافتراءات التي قد نسبتها اليهودية إلى الأنبياء والرسل من جرائم منكرة، وارتكاب لأحطّ أنواع الفواحش والرذائل، على الرغم من الاعتقاد بنبواتهم ورسالاتهم، والتي قد أشرنا إلى جزء منها من قبل، وذلك لتضمّن الكتاب المقدس للنصرانية لكتاب اليهودية تحت مسمى العهد القديم، وبين ما أضافته هي من افتراءات واتهامات، لا سيما ما قامت بنسبه للمسيح من أنه قد ادّعى الألوهية، ولا شك أن ذلك محض افتراء، وليس له أدنى أساس من الصحة والمصداقية.
وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح في هذه النقطة مزيدًا مما قد نسبته النصرانية إلى أنبياء الله ورسله من افتراءات لا يمكن لفطرة نقية استساغتها، ولا يمكن لعقل رشيد أن يتقبلها.
ومن تلك الافتراءات التي قد نسبتها النصرانية إلى أنبياء الله تعالى:
- وصف الأنبياء بالدموية والوحشية، لا سيما عند فتوحاتهم.
ومما ورد في الكتاب المقدس للنصرانية تأكيدًا لذلك، الآتي:
حيث نجد أن الكتاب المقدس للنصرانية قام بوصف الأنبياء بأنهم: «قد استولوا على مدينة أريحا وأبادوا سكانها عن آخرهم، الرجال والنساء، والأطفال والشيوخ، والبقر والغنم، والحمير بحد السيف، وأحرقوا ثم أحرقوا المدينة بكل ما فيها» كما في يشوع (6: 20، 21، 24).
إلى غير ذلك من مثيل ما أشرنا إليه.
ولقد نسبت النصرانية إلى نبي الله داود، ارتكابه للزنا مع وصفٍ لأحداث تلك الفاحشة المنكرة جزءً بجزء([30])، ونظرًا لما نجده من التعفّف عن ذكر مثل تلك الألفاظ الخارجة المتدنيّة، التي ينصّ عليها كتاب النصرانية، فإننا نشير إلى موضع ذلك من الكتاب المقدس للنصرانية، وهو في (سفر صموئيل الثاني 11: 4 – 5).
ولقد نسبت النصرانية إلى نبي الله داود أيضًا، أنه قد تسبّب بأساليب ماكرة شريرة في قتل أحد الأشخاص من أجل ممارسة الزنا مع زوجته([31])، كما في (سفر صموئيل الثاني 11 : 6 – 25).
ولقد نسبت النصرانية إلى نبي الله داود أيضًا، أنه كان يرقص عاريًا، مع تصويرٍ لذلك المشهد الملفق زورًا دون أدنى خجل أو حياء([32]).
ولقد نسبت النصرانية إلى نبي الله سليمان أنه هو من قال ما يسمونه بنشيد الإنشاد، الذي يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية، والذي يقوم بوصف فاضح لمفاتن المرأة وأدقّها، وبألفاظ تخجل الآذان عن سماعها، وتستعفّ الألسن عن النطق بها، والأقلام عن كتابه حروفها.
ولقد نسبت النصرانية إلى نبي الله سليمان أيضًا، أنه قد عبد آلهة أخرى في آخر حياته، كما في (سفر الملوك الأول).
إلى غير ذلك مما قد نسبته النصرانية إلى أنبياء الله ورسله، من افتراءات وأكاذيب، من مثيل ما أشرنا إليه.
فتعالى الله عز وجلّ عن سوء الاختيار لأنبياءه ورسله ليكونوا بمثابة مصابيح هدىً في ذلك الظلام الدامس الذي تحياه البشرية، بعد خروجها عن تعاليم وأوامر ربها سبحانه وتعالى.
السيدة مريم في النصرانية
لقد ادّعت النصرانية أن السيدة مريم هي والدة الإله، وذلك لأن النصرانية قد نسبت الألوهية إلى المسيح بن مريم، وقالت بأنه ابن الإله.
ومن ثم، فإن السيدة مريم تكون قد أنجبت أحد أقانيم الإله الثلاثة التي تزعمها النصرانية، وهو المسيح الذي يُعرف بالإله الابن عند المسيحيين.
وقد أوضحنا بطلان ذلك المعتقد الذي تزعمه النصرانية، في نقاط سابقة.
مم يتكون الكتاب المقدس للنصرانية؟
بداءة نوضح: أن الكتاب المقدس للنصرانية يتكون مما يسمى بالعهد القديم، ومما يُسمّى بالعهد الجديد.
وما يُسمى بالعهد القديم هو بإيجاز ما كان قبل مجيء المسيح ابتداءً من التوراة التي بين أيدي اليهودية اليوم، وتنسبها إلى نبي الله موسى.
وما يسمى بالعهد الجديد يتكون من: الأربعة أناجيل (متى ولوقا ومرقس ويوحنا)، بالإضافة إلى رسائل بولس وبطرس وجيمس وكتاب الرؤيا.
وبعدما أشرنا إلى ما يتكون منه الكتاب المقدس للنصرانية بصفة عامة، نوضح:
أن الكتاب المقدس للنصرانية يختلف باختلاف الفرق والطوائف المسيحية، ومثال ذلك: أننا نجد أن طائفة الكاثوليك لهم نسخة خاصة بهم، والتي قد أعيد طباعتها في دووي عام 1609م، وتتضمن تلك النسخة من الكتاب المقدس للنصرانية لطائفة الكاثوليك 73 كتابًا (سفرًا).
بينما نجد أن طائفة البروتستانت لهم أيضًا نسخة خاصة بهم، وهي نسخة الملك جيمس، والتي قد طبعت في عام 1611م.
ونجد أن تلك النسخة من الكتاب المقدس للنصرانية لطائفة البروتستانت تتضمن 66 كتابًا (سفرًا) أي أن طائفة البروتستانت قد قامت بحذف 7 أسفار من نسخة الكتاب المقدس للنصرانية لطائفة الكاثوليك باعتبارها مُلفّقة.
بينما نجد أن طائفة الأرثوذوكس لهم أيضًا نسخة خاصة بهم، ولكن تلك الطائفة قد قامت بإضافة أسفارًا غير موجودة بأي من تلك النسخة التي بأيدي طائفة الكاثوليك أو البروتوستانت، بحيث تصير النسخة الخاصة بها (بطائفة الأرثوذوكس) من الكتاب المقدس للنصرانية متضمنة (81 سفرًا).
ومما سبق يتضح لنا عدم اجتماع النصرانية على كتاب واحد لمختلف طوائفها، حيث نجد أن كل طائفة من طوائف النصرانية لها نسخة خاصة بها، بحيث تحذف منها أو تضيف إليها كما تشاء ووفقًا لما يتراءى لها.
ومن ثم يتبين لنا الانقسام الذي تضجّ به النصرانية، بين طوائفها الكثيرة المختلفة، نتيجة أن إيمان طائفة ما بنسخة ما يُقابله اعتقاد طوائف أخرى بتحريف تلك النسخة وهكذا.
ومن ثم تقع الاختلافات والتناقضات، والحروب والتناحرات بين تلك الطوائف والفرق المسيحية المختلفة، نظرًا لتكفير كل منها للأخرى.
والحروب الدامية بين الطوائف المسيحية، والتي قد سجلها التاريخ شاهد على ما ذكرنا.
إلى أي شيء يدعو الكتاب المقدس للنصرانية؟
إن المتصفح للكتاب المقدس للنصرانية سوف يُصاب بدهشة أشبه ما تكون بصدمة عارمة، إثر ما يجده من فساد معتقد ونكارة دعوة، وبذئ قول، وفحش قصص، ....، ثم نسب ذلك كله إلى الله تعالى، وإلحاقه به جل وعلا، وسوف يجد كل إنسان عفيف فاضل، صاحب فطرة نقيَّة ونفس زكيّة وعقل سويّ إنكار قلبه لكل ما قرأ، لا سيما إذا ما كان يُنسب إلى إلهه وخالقه جلّ شأنه.
وبمشيئة الله تعالى سوف نتعرض لقليل من تلك المفاسد التي يدعوا إليها الكتاب المقدس للنصرانية.
لتبيان الحقّ، وإيضاحه لكل باحث بصدق عنه، ومُبتغٍ له، مع التنويه إلى:
أن كل ما ذكرناه مما يدعوا إليه كتاب اليهودية هو أيضًا مما يدعوا إليه الكتاب المقدس للنصرانية لاحتواءه له وتضمّنه إياه، تحت مُسمّى العهد القديم، وإذا لم يَعُد ذكره والإشارة إليه في هذه النقطة إنما يكون من سبيل عدم التكرار.
وليكن أول ما نبدأ به مما يدعوا إليه الكتاب المقدس للنصرانية:
1- تأليه البشر، حيث تزعم النصرانية التقاء الطبيعة الإلهية مع الطبيعة البشرية.
ولقد أشرنا في نقطة سابقة بالأدلة الدامغة إلى بطلان مثل ذلك المعتقد وغيره، ولكن نُضيف في هذه النقطة ما يزيد ما قد أوضحناه في السابق بيانًا وتأكيدًا، وذلك على النحو الآتي:
إن الإنسان إذا لم يُحسن استغلاله لعقله بأنه يتجه الاتجاه الأمثل وينتهج المنهج القويم في التفكير والاعتقاد، فإنه ينجرف تجاه أفكار خاطئة، ومعتقدات أخرى لا ترقى بأن يقبلها العقل السليم السوي، كأفكار الإغريق والرومان، وعُباد الأوثان، وأصحاب الاعتقاد بتعدد الآلهة، .. .إلى غير ذلك.
فإذا ما نسب الإنسان إلى الله تعالى الولد كأحد أقانيمه، كما تزعم النصرانية، فإنه بذلك يكون قد انتقص إلهه وخالقه.
فالله سبحانه وتعالى هو الإله الخالق، الذي لم يَلِد أحدًا، ولم يُولد من أحد، أوجدنا من العدم سبحانه وتعالى.
وإذا ما أردنا أن ننسب إليه سبحانه وتعالى واحدة من الصفتين الآتيتين:
أ- أنه سبحانه وتعالى يصيب دائمًا، أو ب- أنه سبحانه يصيب ويخطئ، فأي من الصفتين نختار ونقبل؟
بالتأكيد: نختار ما يليق بعظمته، وهو ما فُطِر العقل السويّ والنفس الزكية عليه، وهو أنه سبحانه يصيب دائمًا، بل إنه جلّ وعلا لا يقوم إلا بالأصوب والأصلح.
إذن فلن ننسب إليه سبحانه وتعالى الخطأ، أو أيّ صفة تقوم مقام تلك الصفة الذميمة أو غيرها مما شابهها، كالندم أو البكاء، أو ما شابههما، فلا يجوز لنا ذلك.
ونوضح أن مثل هاتين الصفتين المشار إليها (الندم والبكاء)، لا يجوز نسبهما إلى الله عز وجل، وذلك على النحو الآتي:
فالبكاء يكون إما فرحًا أو ندمًا أو أسفًا وحزنًا.
وبما أن الله تعالى خلق الجنّة والنار، وجعل لكل منهما نوعًا من خلقه، بأن جعل الجنّة دارًا لعباده المؤمنين الطائعين، وأن جعل النار مثوى الكافرين والعاصين، إذن فهو سبحانه وتعالى يفرح فرحًا يليق بجلالته وعظمته، وذلك بعباده المؤمنين الطائعين، وأيضًا فإنه سبحانه وتعالى يغضب غضبًا يليق بجلالته وعظمته على من كفر به وعصاه، مع التنويه إلى:
أنه لا يجوز لنا أن ننسب إلى الله سبحانه وتعالى من الصفات إلا ما أقرّته الشريعة الإسلامية، بعيدًا عما تمليه علينا أهواءنا وعقولنا المتباينة المختلفة.
وإذا ما كان علينا أن ننسب إلى الله سبحانه وتعالى، الإله الخالق، إحدى الصفتين الآتيتين:
أ- القوة والعظمة مع الرأفة والرحمة أو ب- الضعف والهوان أو ما شابه ذلك مع أيضًا الرأفة والرحمة، فإنه لا يجوز لنا أن ننسب إليه سبحانه وتعالى إلى ما يليق بجلالته وعظمته، ولا يكون ذلك إلا باختيار الصفة أ- القوة والعظمة مع الرأفة والرحمة، وهذا هو ما يتوافق مع الفطرة النقية والعقل السليم.
وإذا ما عدنا إلى صفات الأسف والحزن والبكاء التي تنسبها كلا من اليهودية والنصرانية إلى الله تعالى، فإننا نجد فيها (تلك الصفات) الإيحاء بالضعف والهوان، والانتقاص من صفتي القوة والعظمة اللائقتين بذات الله تعالى، الإله الخالق.
وقياسًا على ذلك: فإنه مع رحمة الله تعالى، الإله الخالق بعباده، إلا أنه يجب أن يكون قويًا عزيزًا غالبًا على أمره، وألا تكون هذه الرحمة مصحوبة بذُلّ أو انكسار.
ولذا: فإن الله عز وجل لا يليق بذاته العليّة أن يفعل ما فيه ذُلّ وانكسار وهوان أو ما شابه ذلك في أي حال من الأحوال.
فلا يمكن لعقل سويّ أن يتصوّر أنه إذا ما أراد الله عز وجلّ أن يرحم عبده آدم ويغفر له، أن عليه (جل وعلا) أن ينشئ من ذاته إلهًا آخرًا ذات طبيعة بشرية ليُهان ويُصلب، ويُسبّ ويُقتل، تكفيرًا لخطايا أحد عبيده ومخلوقاته آدم، لا سيما أنه عز وجل وحده الذي يملك الصفح والغفران، فلا يمكن للفطر النقيّة والنفوس الزكيّة أن تقبل أيًّا من ذلك الهراء.
وإذا ما نظرنا إلى المأكل والمشرب والملبس .. إلى غير ذلك مما يحتاج إليه الإنسان كأحد ضروريات حياته المخلوقة وأحد مقوماتها (كغيره من كثير من المخلوقات)، فإن مثل تلك الضروريات لا يمكن أن تنطبق على الله جل وعلا، وهو الإله الخالق، ولا يجوز لنا أن ننسبها إليه سبحانه وتعالى، لأنه عز وجل هو من خلق مثل تلك الأشياء، بما فيها الإنسان نفسه.
فالله تعالى خلق الإنسان وجعل له حيّزًا يشغله ومكانًا يحتاج إليه، وخلق له زمانًا ينتهي فيه أجله، حيث خلق سبحانه وتعالى الأرض ليعيش الإنسان عليها مع غيره من كثير من المخلوقات، وخلق له زمانًا ينتهي فيه عمره من خلال دوران الأرض حول محورها ودورانها حول الشمس، فيتعاقب الليل والنهار، وينشأ اليوم إثر اليوم، فالإسبوع، فالشهر، فالسنة.
فالله سبحانه وتعالى هو خالق المكان والزمان، ولذا:
فإنه سبحانه وتعالى لا يحيط به مكان أو زمان، فهو جل وعلا الأول قبل كل شيء، والآخر بعد فناء كل شيء.
وكذلك الحال: فإنه كما أوضحنا، فإن المأكل والمشرب والملبس .. وغير ذلك من ضروريات الحياة المخلوقة للإنسان المخلوق، حيث إن (الإنسان) إذا لم يأكل ولم يشرب ولم يلبس ... فإن يضعف ويمرض وينتهي ويموت، لأنه مخلوق، ولكن الله تعالى هو الإله الخالق، الحيّ الذي لا يموت، الذي ليس كمثله شيء، الذي لا يمكن أن يحتاج إلى مثل تلك الأشياء التي تحتاجها مخلوقاته.
وأيضًا، فإن الإنسان إذا ما أكل وشرب، فإنه لابد له من عملية إخراج لفضلات ذلك الطعام والشراب، ومعلوم نجاسة وقذارة مثل تلك الفضلات، فالإنسان إذا لم يقم بعملية الإخراج فإن السموم تنتشر في جسده، فيمرض ومن ثم ينتهي ويموت.
ولكن الله تعالى، هو الإله الخالق، الحيّ الذي لا يموت، ولذلك فهو سبحانه وتعالى المُنزّه عن مثل تلك الأشياء التي يحتاج إليها الإنسان، وعن مثل ذلك الخبث الناتج جرّاء فضلات ما قد احتاج إليه من طعام وشراب.
وأيضًا، فإن الإنسان قد جُبل على حاجته لإشباع غريزته الجنسية، والتي تتساوى معه في ذلك كثير من المخلوقات، بما فيها الحيوانات وغيرها، ومن ثم فإن الإنسان يحتاج إلى الزوجة لإشباع غريزته الفطرية من خلالها، ومن ثم فإنه ينتج عن ذلك وجود النسل والذريّة، حيث احتياجه (الإنسان) إليهما كونس، وسند له في حياته وعند كِبَره وقرب انتهاء أجله، وأيضًا لتوريث ماله وممتلكاته، فذريته هي من ترث ذلك بعد موته، فالإنسان كونه مخلوق، فلابد له من الفناء والموت.
ولكن الله تعالى هو الإله الخالق، الحي الذي لا يموت، المُنزّه عن صفات المخلوقين (بما فيها الإنسان)، وعن كل ما يحتاجون إليه من احتياجات ضروريات ومقومات في حياتهم المحدثة المنشئة لهم.
فالله سبحانه وتعالى هو الخالق من عدم، فلا يحتاج إلى من يؤنسه أو يعينه أو يسانده، وهو جل وعلا الحيّ الذي لا يموت، فلا يضيع أو يفنى ملكه.
وما أشرنا إليه هو ما تقبله الفطر السويّة والنفوس الزكيّة والعقول الرشيدة، التي فُظِرت من الإله الخالق سبحانه وتعالى على تعظيمه وتمجيده، وتنزيهه عن كل ما ينسب إليه من صفات النقص والعيب والذمّ.
ومن ثم فإنه يتبيّن لنا فساد ذلك المعتقد القائم على تأليه البشر (كالمسيح وغيره) الذين قد أوضحنا جانبًا من ضعفهم وحاجتهم، وغير ذلك مما لا يليق بالذات الإلهيه، بزعم التقاء الطبيعة الإلهية مع الطبيعة البشرية.
تعالى الله عز وجل عن مثل ما تزعمه النصرانية وغيرها علوًا كبيرًا
2- الدعوى بالبنوة الإلهية، ومن ثم الدعوة إلى العنصرية.
لقد أشرنا في نقاط سابقة إلى موجز من عقيدة النصرانية في الإله الذي تعبده، وإلى ما قامت به من تأليه للمسيح، وادّعاءها بأنه (المسيح) هو ابن الله المولود، كما نصّ على ذلك كتابها.
وقد أوضحنا بطلان ذلك المعتقد من وجوه كثيرة، حيث إن لفظ (ابن الله المولود) مرفوض تمامًا، لأن الولادة من الأفعال الحيوانية التي تخصّ وظائف الغريزة الدنيا للحيوان، فكيف نعزوا إلى الله تعالى مثل تلك الصفة الوضيعة([33])؛ إلى غير ذلك مما قد أشرنا إليه في السابق.
ومن ثم، فإنه يتبيَّن لنا أن الدعوى بالبنوة الإلهية، إنما هي دعوى باطلة مُختلقة، لا أساس لها من الصحة.
ومن آثار ذلك المعتقد الفاسد، ما قد ترتّب عليه من دعوة إلى العنصرية حتى بين صفوف المسيحية نفسها فقد كان لكلمة (البنوة الإلهية) أثرًا في عقول المسيحيين البيض تجاه غيرهم من السود وغير الأوروبيين، وما قد عاناه السود وغيرهم من غير الأوروبيين في أوروبا وغيرها شاهد ذلك.
فالمسيحييون البيض يمتلكهم شعور بالاستعلاء على غيرهم من المسيحيين السود وغير الأوروبيين، رغم انتماءهم إلى نفس الكنيسة ونفس الطائفة، كيف ذلك؟
وسبب ذلك: أن المسيحيين يزعمون أن ابن إلههم (مُخلصهم ومنقذهم) له مواصفات الأوروبي، الأشقر الشعر، والأزرق العينين، صاحب البشرة البيضاء غير السوداء، ومن ثم فإن أجناس الأرض ذات البشرة السمراء أو الغير أوروبيين، والذين يعتقدون ألوهية المسيح وكذلك عقيدة التثليث لديهم شعور بالحقارة والدونيّة، حيث يكون ذلك متأصلًا في نفوسهم([34]).
ولذا، فإننا نجد التفرقة العنصرية في الكنائس المسيحية نفسها، ومثال ذلك:
أنه لم يكن يصلي السود والبيض والهنود والملونين مع بعضهم البعض، وذلك في أغلب الكنائس الهولندية البروتستانتية في جنوب إفريقيا([35]).
مما سبق يتبيّن بطلان تلك الدعوى بالبنوة الإلهية التي تدّعيها النصرانية، والتي كان مؤدّاها مزيدًا من تلك العنصرية البغيضة المقيتة.
3- ذم الإله والانتقاص منه:
حيث إن الكتاب المقدس للنصرانية يتضمن ما قد نسبته اليهودية للإله الخالق من صفات غير لائقة بذاته العليّة من ذمّ ونقص وعيب، تحت ما يُسمّى بالعهد القديم، وذلك إضافة إلى ما قد نسبته (النصرانية) هي أيضًا إلى الإله الخالق من مثيل تلك الصفات التي نسبتها اليهودية إليه، ومثال ذلك:
ما جاء في كتابها (كتاب النصرانية) من أن الله أمر حزقيال أن يأكل الغائط وأن يطعمه بني إسرائيل، كما في (حزقيال إصحاح 4، عدد 12).
وأيضًا من أن الله أمر بني إسرائيل بالسرقة، كما في (سفر الخروج إصحاح 3، عدد 21).
وأيضًا ما نصّ عليه الكتاب المقدس للنصرانية على النحو الآتي:
«وكان الرب مع يهوذا ولم يطرد سكان الوادي لأن لهم مركبات من حديد» (سفر القضاة، إصحاح 1 ، عدد 12).
فهل ما أشرنا إليه وما على وتيرته من صفات أخرى لم نذكرها، إلا ذمّ للإله وانتقاص منه؟!
فالكتاب المقدس للنصرانية مليء بالكثير والكثير من مثل ما ذكرنا، من صفات بذيئة ذميمة، لا يمكن أن يقبلها ذوو فطر سوية ونفوس زكيّة وعقول رشيدة، في ذات الله سبحانه وتعالى وأفعاله وأوامره.
4- الدعوة إلى شرب الخمور والمسكرات
إنه لا يخفى على عاقل واع غير فاقد أو مُضيّع لعقله في أي من تلك الخمور النجسة القذرة، والمسكرات العفنة، كالكحوليّات وغيرها، أن الإنسان إذا غاب عقله فإن ذلك مؤدّاه إلى التصّرف الهمجي الأشدّ سوءً من الكثير من الحيوانات والبهائم.
وأن الإنسان إذا غاب عقله فإن ذلك مؤدّاه إلى عظيم المفاسد، من قتل وسرقة، وزنًا واغتصاب، ... إلى غير ذلك من كبائر المعاصي والذنوب، ناهيك عن ما هو أعظم من ذلك، وهو قطع الاتصال الروحي بالله تعالى، والذي يتم من خلال عبادته، والتمسك بشريعته، والتزام أوامره واجتناب نواهيه.
بل إن الإنسان الفاقد لعقله قد يَسبّ الله تعالى ويتطاول عليه، وكذلك على أنبياءه ورسله والكتب السماوية المنزلّة عليهم، وقد يصل الأمر به إلى إهانتها بصور شتى... إلى غير ذلك من مُفجعات الأمور، نظرًا لغياب عقله وفقدانه له.
إضافة إلى الأضرار الجسيمة والأمراض الخبيثة النفسية والبدنية التي يُصاب بها شاربي الخمور والمسكرات.
ومع كل ما أشرنا إليه، إلا أننا نجد أن النصرانية تسمح بالخمور والمسكرات، بل إنها تدعوا إليها دون أدنى خجل من ذلك، مع الزعم كذبًا أن ذلك من شرع الله، تعالى الله عز وجل عن أي يكون شرعه كذلك علوًا كبيرًا.
فقديس النصرانية بولس، والذي تزعم (النصرانية) نبوته، ينصح بتناول مثل تلك الخمور والمسكرات، أي أنه لم يسمح بها فحسب، بل إنه ينصح بها، وكأنها (الخمور والمسكرات) شيء ثمين يُنصح به، حيث ينصح مولى تيموثاوس (معتنق الدين الجديد) قائلاً:
«اشرب فقط الماء لكن استعمل قليلاً من النبيذ (الذي هو أصل الخمور والمسكرات) لمعدتك ولأمراضك» (الكتاب المقدس، التيموثية 5 : 23).
والتساؤل المهم هو: هل تحتاج المعدة إلى مثل تلك الخمور والمسكرات؟!
وهل مثل تلك الخمور والمسكرات هي سبب في الشفاء من الأمراض؟!
الجواب: بالطبع، لا
فلقد اكتشف العلم الحديث أن المسكرات والخمور والكحوليات تسبب الكثير والكثير من الأمراض الخطيرة.
وإضافة إلى ما قاله قديس النصرانية بولس، فإن النصرانية تدّعي أنه من أول معجزات المسيح الذي تزعم ألوهيته، تحويله الماء إلى خمر، بل إنها تدّعي أيضًا أن تلك المعجزة المزعومة كانت أول معجزات المسيح، مما يوحي بالأهمية والمنزلة العالية لمثل تلك الخمور والمسكرات بالنسبة للنصرانية.
تعالى الله عز وجل عن أن يشرع مثل ذلك التشريع كتشريع أبدي، يعمل ويتمسك به إلى قيام الساعة.
ونشير بإيجاز إلى بعض من خطورة الخمر علميًّا، ومفاسده وأضراره، حيث يقول الدكتور الفرنسي (شارل ريشيه) الحاصل على جائزة نوبل للفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء):
إن الخمر تشلّ الحواس، وتجعل المرء يترنح ويتقيّأ... وسرعان ما تتغلب الخمر على أشدّ الرجال قوة، وتحوله إلى شخص ثائر هائج عنيف، تتحكم فيه طبيعته البهيمية، مُحمر الوجه، محتقنة عيناه بالدم، يجأر ويقسم ويتوعد، ويسبّ أعداء خياليين، ولا يوجد مثل ذلك السلوك المخزي بين أي نوع من أنواع الحيوانات، لا بين الخنازير .. ولا الحمير..، وأبشع ما في الوجود هو السكّير([36]).
وإضافة إلى ما قاله الدكتور الفرنسي، فإن من مفاسد الخمور والمسكرات أنها تسبب العجز الجنسي.
لذلك نوضح:
أن من تنزيه الله سبحانه وتعالى، أن ننزهه عن أن يُحلّل الرذائل والخبائث والمنكرات، ومنها مثل تلك الخمور التي تنغمس في إدمانها المسيحية، والإحصائيات العالمية شاهد ذلك.
فالله سبحانه وتعالى حكيم في تشريعاته وأحكامه، لا يفعل الحماقات والأخطاء.
5- الدعوة إلى القتل والمذابح الجماعية، كنتيجة للعنصرية
لقد أوضحنا في النقطة السابقة دعوة النصرانية إلى شرب الخمور والمسكرات، والتي يترتب عليها غياب العقل، ومن ثم التصرّف الهوائي الهمجيّ، والقيام بأحط الأعمال.
ومن تلك الأفعال التي قد يقوم بها شارب الخمر بغير إدراك منه: القتل والزنا، .. إلى غير ذلك.
ونجد أيضًا أن بالكتاب المقدس للنصرانية: أن المسيح الذي تعتقد (النصرانية) فيه الألوهية، قد أمر بذبح أعداءه الذين رفضوا ملكه عليهم، (إنجيل لوقا 19: 27).
بل إننا نجد أيضًا أن الأنبياء الفاتحين الوارد ذكرهم في الكتاب المقدس للنصرانية، بعدما لوثت الأيدي الخفيّة سيرتهم، أنهم: «استولى على مدينة أريحا وأبادوا سكانها عن آخرهم، الرجال والنساء والأطفال والشيوخ والبقر والغنم والحمير بحدّ السيف، وأحرقوا ثم أحرقوا المدينة بكل ما فيها» (يشوع).
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية قد أمر بالانتقام من قبيلة عماليق وقتلهم جميعًا، بما فيهم الأطفال الرضّع، حيث يقال:
«اقتلوا كل رجل وامرأة وطفل رضيع وبقر وغنم وجمل وحمار» (صموئيل الأول اصحاح 15 عدد 2).
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية يقول:
«لا تشفق أعينكم ولا تعفوا الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء، اقتلوا للهلاك، نجسوا البيت، واملأوا الدور قتلى» (حزقيال ، اصحاح 9 ، عدد 5).
ونجد أيضًا: أن الكتاب المقدس للنصرانية يقول بأن الله قد أمر بني إسرائيل، قائلًا لهم: «حين تقربوا من مدينة كي تحاربها، استدعها للصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك (أي أبوابها) فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير، وإن لم تسالمك بل عملت معك حربًا، فاضرب جميع ذكورها بحدّ السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم فتغنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الربّ إياها» (التثنية، اصحاح 20، عدد 10).
أي أنه ما ينفع الصلح لأي مدينة يقوم بنو إسرائيل بمحاربتها، لأنهم لابد وأن يكونوا عبيدًا لبني إسرائيل، مع أنهم فتحوا لهم الأبواب ووافقوا على الصلح.
وأيضًا فالكتاب المقدس للنصرانية يدّعي بأن المسيح قال لأتباعه: «لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم» (إنجيل متى 7: 5).
إلى غير ذلك من مثل ما ذكرنا، والسبب في ذلك هو: العنصرية البغيضة المقيتة.
فإذا كان الكتاب المقدس للنصرانية يقول: بأن المسيح (المزعوم ألوهيته) قد أمر بذبح الأعداء وأن الأنبياء الذي قد أورد ذكرهم يأمرون ويقومون بعمليات الإبادة والمذابح الجماعية وأن الإله يأمر باسترقاق الناس وتسخيرهم للخدمة حتى في حالة الصلح، فإلى أي شيء يشير ذلك؟؟
لاشك، أن ذلك الذي قد أشرنا إليه ما هو إلا دعوة صريحة للقتل القتل، والقيام بعمليات إبادة شاملة من خلال المذابح الجماعية، كنتيجة للتفرقة العنصرية المتأصلة لدى أهل النصرانية.
وما قامت به الحروب الصليبية من عمليات إبادة ومذابح جماعية على مرّ التاريخ، شاهد ذلك.
6- الدعوة إلى الاغتصاب والفحش والزنا
لقد أشرنا سابقًا إلى أن دعوة النصرانية إلى شرب الخمور والمسكرات هي في حدّ ذاتها دعوى إلى شتى أنواع الجرائم والمفاسد، والتصرّف الهمجي، والقيام بأحطّ وأقبح الأعمال، وذلك يعني:
أن دعوة النصرانية إلى شرب الخمور والمسكرات، كما هو متضح من كتابها، هو أيضًا دعوة إلى الاغتصاب والفحش والزنا ...... إلى غير ذلك.
ونجد أيضًا أن الكتاب المقدس للنصرانية يذكر من الرذائل والفواحش ما يثير الغرائز الجنسية للإنسان، مما يؤدّي إلى الانحطاط الخُلُقي وارتكاب شتى أنواع الفواحش والمنكرات من المحرمات، ومن دلائل ذلك ما جاء في سفر (القضاة 16: 1)، (الذي يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية)، حيث يمكن الرجوع إلى ذلك الموضوع لتأكد مما أشرنا إليه، لما يجد اللسان خجلًا من استعفافٍ عن ذكر مثل تلك الرذائل والمنكرات التي ينصّ عليها ذكر السفر بالكتاب المقدس للنصرانية.
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية، يذكر الكثير من القصص التي وقعت بها أحداث الزنا (بين الرجل والمرأة)، بل ويصور ويصف تلك المشاهد من الزنا جزءً بجزء، ابتداءً من أول الحدث إلى نهايته.
(تعالى الله عز وجل عن أن يذكر في كتابه مثل تلك الرذائل والفواحش والمنكرات).
وبما أنه من المحال أن نذكر ما قد نصّ عليه الكتاب المقدس للنصرانية، تعفّفًا عن تسطير مثل تلك الألفاظ، فإننا نشير بإيجاز إلى قليل من المواضع التي تنصّ على مثل تلك الرذائل والخبائث.
ومن تلك المواضع بالكتاب المقدس للنصرانية: (سفر راعوث: 3: 4)،
(سفر الملوك الأول 1 : 1 – 3).
ونجد أيضًا أن الكتاب المقدس للنصرانية يذكر الكثير من القصص التي وقعت بها أحداث الزنا بين المحارم، كزنا الأب بابنتيه، كما في (سفر التكوين 19: 33 – 35).
وكزنا الابن بزوجة أبيه ، كما في (سفر التكوين 35: 22).
وكزنا زوجة الابن بوالد زوجها، كما في (سفر التكوين 38: 5- 18)
وكزنا الأخ بأخته، بل اغتصابها، كما في (سفر صموئيل الثاني 16: 22).
و(سفر صموئيل الثاني 3: 11)، و(سفر صموئيل الثاني 13: 14).
وكزنا الابن بزوجات أبيه، كما في (سفر صموئيل الثاني 16: 22).
ليس ذلك فحسب، بل كل من تلك الحالات وغيرها تصوّر وتصف تلك المشاهد من الزنا جزءً بجزء، ابتداءً من أول الحدث حتى نهايته، وكأنها دورات تدريبية متخصصة في كيفية القيام بمثل تلك الرذائل، والتي تُعدّ من أحطّ وأخبث الأعمال والمنكرات.
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية لم يترك العاهرات (الزواني) سدىً، بل إنه يذكر لهن قصصًا مع وصف فاضح لعهرهن، وتصوير مُخلّ لتلك المشاهد القذرة من الزنا، وكما أوضحنا فإنه نظرًا لتعفّف اللسان عن ذكر مثل تلك الفضائح، فإننا نُحيل القارئ والباحث إلى المواضع التالية، للتأكد مما ذكرنا، ومن تلك المواضع:
(سفر حزقيال 16: 28)، (سفر حزقيال 23: 1 – 49)
(سفر التثنية 38: 8 – 10) ، (سفر هوشع 4: 12)، (سفر هوشع 4: 14 – 15)
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية، يتضمن ما يسمّى بـ(نشيد الإنشاد)، والذي تلقّبه النصرانية بـ(قدس الأقداس)، حيث يوضح التفاصيل الخاصّة بكيفية الزنا بالمرأة البغيّ، بل ويصف مفاتن المرأة وأدقّها، وذلك بكلمات تخجل منها الألسنة عن النطق بها، والآذان عن سماعها، والأقلام عن تسطير حروفها، وللك فإن نشيد الإنشاد، الذي يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية، إنما هو بمثابة درس عن كيفية ممارسة الزنا والجنس.
فإذا ما نشأ إنسان طاهر عفيف، بعيد عن مثل تلك الفواحش، ولكنه أخذ يقرأ مثل تلك الفقرات من الكتاب المقدس للنصرانية، فإنه سرعان ما يأخذ دورة تدريبية في الانحطاط الخلقي، وكيفية ممارسة مثل تلك الرذائل.
والمستوى الأول من تلك الدورة التدريبية الفاحشة، يجده فيما يُسمّى بـ(سفر نشيد الإنشاد).
والمستوى الثاني من تلك الدورة التدريبية الفاحشة، يجده فيما يُسمّى بـ(سفر حزقيال)، ..... وهكذا، ثم يكون بعد ذلك على أعلى مستوى من الانحطاط الخلقي، وممارسة الزنا وشتى أنواع الفواحش.
وقد يندهش القارئ لهذه الكلمات التي نسطرها ، كوصف لما بالكتاب المقدس للنصرانية من خلع وفجور، ولكنه يمكنه التأكد مما ذكرنا بالرجوع إلى تلك المواضع التي قد أشرنا إلى جزء منها.
بل إن الأعجب مما ذكرنا: أن الكتاب المقدس للنصرانية ينسب مثل ذلك النشيد الخليع المسمّى بـ(نشيد الإنشاد) إلى نبي الله سليمان عليه السلام، بل إن من التناقض العجيب: أن الكتاب المقدس للنصرانية يرجع ويقول بأن سليمان النبي قد عبد آلهة أخرى (الأصنام) في آخر حياته.
تعالى الله عز وجل عن سوء الاختيار لأنبياءه ورسله، وعن إنزال الكلمات الرذيلة الفاحشة في كتبه، علوًا كبيرًا.
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية، يدّعي أن الله قد أمر هوشع أن يتخذ لنفسه زانية وينجب أولاد زنى، كما في سفر (هوشع، إصحاح أول ، عدد ثاني).
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية يدّعي أن الله قد أمر بأن يرتوي المرء من ثديي امرأته، كما في (سفر الأمثال اصحاح 5 عدد 18).
ومن قليل ما أشرنا إليه بالكتاب المقدس للنصرانية يتبيّن: أن الكتاب المقدس للنصرانية مليء بالأقوال الفاحشة، والعبارات البذيئة، من مثيل تلك الكتب التي يحظر طبعها ونشرها.
ومن ثم يتبيّن السبب من وراء انتشار مثل تلك الرذائل والفواحش والمنكرات بين صفوف المسيحية إلى تلك الصورة الكبيرة المذهلة، بما فيها الكنائس في احتفالياتها بأعياد الميلاد في أول السنة الميلادية، لا سيما المجتمع الغربي الذي لا تحكمه قوانين الإسلام وتشريعاته.
فمن يقرأ موادًا فاسدة، فإن العقل يصير فاسدًا، بحيث إن من يقرأ عن الإباحية، فإن الذهن سرعان ما يتعود على ذلك، ومن ثم تتصعّد الأمور، وتنحلّ القيم، ثم يجد الإنسان نفسه منغمسًا في تلك الإباحية المقيتة.
فنوعية القصص التي تُقرأ تشكل نوعية العقلية التي سوف تكون عليها، والعلم الحديث شاهد على ذلك.
ومن المحال في حقّ الله تعالى أن يُنسب إليه مثل ذلك الذي أردناه من الكتاب المقدس للنصرانية، أو غيره مما هو على شاكلته، ككلام صادر منه جلّ وعلا.
7- الدعوى بأن ولادة البنات تضاعف نجاسة الأمهات عن الذكور
ونوجز ذلك بذكر ما تدّعيه النصرانية، من أن ولادة البنات تضاعف نجاسة الأمهات عن الأولاد، مستمدة تلك الدعوى من كتابها المقدس، لما جاء في (سفر اللاويين 12: 1 – 5)، بحيث تكون المرأة نجسة إذا ما ولدت أنثى، لمدة أسبوعين، بينما تكون نجسة لمدة أسبوع واحد إذا ما ولدت ذكرًا.
8- الدعوى بأن المرأة كانت سببًا في إغواء آدم:
حيث نجد أن الكتاب المقدس للنصرانية يدّعي بأن المرأة هي من كانت سببًا في إغواء آدم عليه السلام.
والحق: أن الأمر بخلاف ما تدّعيه النصرانية، لأن المرأة لم تكن هي من تسبب في إغواء آدم.
9- الدعوى بتحريم الزواج من الأرملة والمطلّقة
حيث نجد أن الكتاب المقدس للنصرانية يُحرّم الزواج من المرأة الأرملة والمطلقة، كما في (سفر اللاويين، إصحاح 21، عدد 14).
إلى غير ذلك من مثيل ما ذكرنا، مما هو مناقض للتشريع الإسلامي، وتعاليمه.
فالإسلام هو من رفع من قدر ومنزلة المرأة، وأعطاها حقّها دون أن يهضم منه شيئًا، ويكفي أن نشير لبرهان ذلك، إلى:
أن الله تعالى قد أنزل في كتابه المحكم (القرآن الكريم)، الذي قد بعث به خاتم الأنبياء والرسل محمد r، سورة تسمّى (بسورة النساء)، ولا يوجد ما يسمى بسورة الرجال.
فأي تشريف وتكريم للمرأة بصفة خاصة، والنساء بصفة عامة، بعد هذا التكريم الذي حظيت به من رب العالمين، في كتابه العظيم (القرآن الكريم).
10- الدعوة إلى عدم الختان، ومن ثم إثارة الغرائز الجنسية
حيث إن النصرانية تدّعي أن الختان كان واجبًا من قبل، ولكنه صار منسوخًا لديها،
ولا شك أن مثل ذلك الادّعاء إنما هو ادّعاء باطل.
فالختان، هو بمثابة التهذيب للشهوة الجنسية، والتي إذا ما زادت عن حدّها اللائق، كانت مؤدّاها إلى محاولة إشباعها بطرق غير شرعية، ومن ثم التصرف بطريقة همجيّة أشبه بالطبيعة الحيوانية، ومن ثم كثرة حالات الزنا والاعتداء والاغتصاب، والإحصائيات العالمية برهان ذلك.
وننوه إلى: أن الطبّ له دور في ذلك، بحيث إنه إذا ما تبيَّن أن بنتًا ما (كمثال) لا تحتاج إلى الختان كحالة خاصة بها، فإنها لا تُختن، ولا يجب الختان في حقها آنذاك، ولكن الأصل هو الختان بالنسبة للذكور والإناث على حدّ سواء.
فأي تشريع أعظم من هذا التشريع الإسلامي الحنيف.
9- الدعوة إلى أكل لحم الخنزير
حيث تدّعي النصرانية أن الخنزير كان محرّمًا من قبل، ولكنه صار محللًا لها، لما جاء في (سفر اللاويين اصحاح 11 عدد 1)، ولا شك أن ذلك ادّعاء باطل، حيث إن الخنزير قد ثبتت نجاسته علميًّا، وذلك بشهادة أطباء النصارى أنفسهم، وبذلك يصير الخنزير مُحرَّمًا علميًا، إضافة إلى تحريمه شرعًا.
ومن المُحال في حق الله تعالى أن يُنسب إليه تحليله للنجاسات والخبائث.
وغير ما ذكرنا الكثير والكثير مما يدعو إليه الكتاب المقدس للنصرانية، مما هو مُخالف للحقّ الموافق للفطر النقيّة والنفوس الزكيّة والعقول الراجحة الرشيدة، ولكن نكتفي بتلك النماذج التي قد أشرنا إليها، على أن نختم هذه النقطة بذكر ما قاله الأديب (جورج برناردشو) عن الكتاب المقدس للنصرانية، لما يحتويه من ألفاظ وقصص فاحشة تنكرها القلوب السيلمة، والفطر النقية، حيث يقول:
«إنه من أخطر الكتب الموجودة على وجه الأرض، احفظوه في خزانة مغلقة بالمفتاح».
وغيره يقول:
«إن قراءة قصص الكتاب المقدس للأطفال يفتح الباب لفرص مناقشة العبرة وراء الجنس، وإن الكتاب المقدس (للنصرانية) إذا لم يُهذب ويُنقح قد تعتبره مجالس الرقابة صالحًا للكبار فقط، لمن جاوز الثامنة عشرة من العمر (لما فيه من خلع وفجور)] (الحقيقة المجرّدة – اكتوبر 1977).
وغير ذلك الكثير من الشهادات التي تشهد بمساوئ الكتاب المقدس للنصرانية، وتهاجمه بشدة.
ومن قليل ما أشرنا إليه يتبيّن لنا الكثير من المساوئ التي يدعوا إليها الكتاب المقدس للنصرانية، من فساد معتقد، ونكارة دعوة، وبذئ قول، وفحش قصص... إلى غير ذلك مما يستحيل نسبه إلى الله تعالى، وإلحاقه به جلّ وعلا.
المسيح في النصرانية
لقد نسبت النصرانية الألوهية إلى المسيح، بزعم أنه أحد أقانيم ثلاثة للإله الذي تتصوره، حيث تقول (النصرانية) بأن المسيح هو الإله الابن، وتعني بذلك: القول بأنه ابن الله.
وإذا ما كانت الألوهية قد نُسبت إلى المسيح لمجيئه ببعض المعجزات، تأييدًا من الله تعالى له، وشهادة بصدق رسالته، فماذا عن غير المسيح من الأنبياء والمرسلين، الذين قد أتو بالكثير والكثير من المعجزات والخوارق أيضًا، تأييدًا من الله تعالى لهم، وشهادة بصدق دعواهم؟!!
إن مما يوضح بطلان الزعم بألوهية المسيح في النصرانية، ويؤكد أنه ليس إلا أحد أنبياء الله تعالى ورسله، وذلك من الكتاب الذي تزعم قدسيته، الآتي:
أن المسيح لمَّا أظهر أحد معجزاته التي قد أيده الله تعالى بها، ما كان من الناس إلا أن قالوا: قد قام فينا نبي عظيم، وذلك كما ينصّ عليه إنجيل لوقا، حيث يقول:
«ومَجدوا الله قائلين: قد قام فينا نبي عظيم» (لوقا 7: 11 – 17)
مما يؤكّد أن المسيح لم يَدّع الألوهية أبدًا، ولم يُعلّم الناس مثل ذلك، وإنما أخبرهم بأنه نبي مُرسل من الله تعالى إليهم.
ولو كان المسيح مدّعيًا للألوهية أو أيًّا مما تزعمه النصرانية، لقال الناس في مثل ذلك الموقف السابق، الذي يخبر به إنجيل لوقا: قد قام فينا إله عظيم، ولكن معاذ الله أن يدّعي المسيح عليه السلام مثل ذلك الإدّعاء، فلم يقل المسيح إلا ما أمره الله تعالى به، ولم يكن أبدًا ليدّعي مثل ذلك الادّعاء الباطل.
وصدق الله تعالى إذ يقول في كتابه المحكم (القرآن الكريم): ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المائدة: 116-117]
ويؤكد ما ذكرنا أيضًا، أن الناس كانوا يلقّبون المسيح بالمُعلّم، ولم يكونوا يلقّبونه أبدًا بالإله، أو يلقب ابن الله، كما ينصّ على ذلك إنجيل يوحنا، حيث يذكر ما كان الناس يقولونه للمسيح كلقب، وذلك في الفقرة الآتية:
«يا مُعلم، نعلم أنك قد أتيت من الله مُعلّما» (يوحنا: 3: 1)
إلى غير ذلك مما قد أشرنا إليه في السابق، حيث قد قمنا بتوضيح بطلان الزعم بألوهية المسيح، ومن ثم عقيدة النصرانية، وذلك في نقاط سابقة.
ونوضح، أن كلمة (المسيح) مشتقة من الكلمة العبرية (مِسياه).
ومصدر كلمة (المسيح) في اللغة العربية (مَسَحَ)، بمعنى: دَعَكَ ودَلَكَ، ودَهَنَ.
وقد كان الكهنة والملوك يمسحون (أو يدهنون) بالزيت المُقدّس لديهم عند رسمهم بوظائفهم([37]).
ولقد نسبت النصرانية المسيح إلى أنه من نسل داود من جهة الجد، كما في (الرسالة إلى أهل رومية 1: 3)، والعجيب: أنه يدخل في نسل المسيح الذي تعتقد النصرانية بألوهيته، ما ينصّ كتابها على أنهم أولاد زنا، وهما (فارض وزارح) من ثامار.
بل ومن العجيب أيضًا، أننا نجد مثل ذلك التناقض البيّن الذي تقع فيه النصرانية، حيث إنه تناقض في أبسط الأمور، وهو ميلاد المسيح، حيث نُفاجئ بأن الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة البروتستانية تحتفل بميلاد المسيح في اليوم الخامس والعشرين من شهر ديسمبر، بينما نجد أن الكنائس الأرثوذوكسية، مثل الكنيسة القبطية واليونانية والروسية، تحتفل بميلاد المسيح في السابع من شهر يناير.
وإذا كان مثل ذلك التناقض في النصرانية، يقع في أبسط الأمور، فما بالنا بما هو أعظم منها، فهل نجد اتفاقًا؟!! بالتأكيد: لا، حيث إن الطوائف النصرانية (من كاثوليك، وبروتستانت، وأرثوذوكس، ...) برهان ذلك.
ومما يثير الدهشة والعجب، أننا نجد أن المسحيين (عابدي المسيح) لا يحفظون وصايا المسيح التي يذكرها كتابهم (الكتاب المقدس للنصرانية).
وذلك على الرغم من قول المسيح: «إن كنتم تحبّوني فاحفظوا وصاياي»، كما ينص على ذلك (إنجيل يوحنا 14: 15).
وإذا ما تساءلنا: لماذا لا تحفظون تلك الشريعة والوصايا؟
فإن الجواب يكون منهم (المسيحيين) على النحو الآتي:
حيث يقولون بأن الشريعة قد سُمِّرت على الصليب، وهم يعنون بذلك أن الشريعة قد انتهت وأُلغيت، ثم يستطردوا الكلام بقولهم: نحن الآن نعيش تحت الرحمة والنعمة الإلهية([38]).
والتساؤل: إلى أي مدى يكون التضييع للتعاليم الدينية في النصرانية؟؟
بل والأكثر عجبًا، عدم الاستحياء من مثل ذلك التضييع لهذه التعاليم، والدفاع عن ذلك القول بمثل تلك المقولات الفارغة([39]).
ولقد نسبت النصرانية للمسيح، أنه قال لوالدته «يا امرأة»، كما جاء في إنجيل (يوحنا 2: 4)، وكأنه ممتهنًا لها، مُتناسيًا فضلها.
ولقد نسبت النصرانية للمسيح أيضًا، أنه قال:
«أتظنون أني جئت لأعطي سلامًا على الأرض، كلا أقول لكم بل انقسامًا»، كما ينصّ على ذلك إنجيل (لوقا 12: 51).
مما يدل على أن النصرانية قد نسبت المسيح إلى الدمويّة والوحشية، وإثارة الحروب والفتن، وإحداث الخراب والإنقسام.
ويؤكد ذلك في النصرانية، أننا نجد من الأناجيل ما يُخبر بأن المسيح قد أمر بذبح أعداءه الذين رفضوا ملكه عليهم، كما في إنجيل (لوقا 19: 27).
إلى غير ذلك مما تنسبه النصرانية إلى المسيح، من تهم وادّعاءات لا أساس لها من الصحة، كأحد أنبياء الله تعالى.
ونختم هذه النقطة بما يوضح خصوصية رسالة المسيح إلى بني إسرائيل، وذلك من الكتاب المقدس للنصرانية، حيث ينصّ إنجيل متى (15: 22- 26) على أن المسيح قال:
«لم أُرسَل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالّة». وذلك في آخر الحدث المذكور بإنجيل متى.
مما يؤكد على أنه لابد من مجيء رساله عالمية بعد رسالة المسيح، بحيث تكون رسالة خاتمة لجميع الرسالات السابقة، وإلى البشرية كافّة.
أول معجزات المسيح في النصرانية
وإضافة إلى ما قد نسبته النصرانية للمسيح، نذكر ذلك الافتراء الذي رَمَته (النصرانية) به، ولكن تحت عنوان خاص لتوضيح خطورته، حيث زعمت النصرانية أن أول معجزات المسيح كانت تحويله الماء إلى خمر، وذلك كما في إنجيل يوحنا (2: 1 – 10)، أعاذنا الله تعالى منها ومن شرها.
وقد أشرنا إلى ذلك سابقًا، مع توضيح لبعض من خطورة تلك الخمور والمسكرات.
فمنذ أن ساد الاعتقاد في النصرانية بأن تحويل الماء إلى خمر، كان أحد معجزات المسيح، والخمر الخبيثة صارت تتدفق كالمياه وسط العالم المسيحي، لا سيما وأنهم يعتقدون بأنها ليست أحد معجزات المسيح فحسب، بل أول معجزاته، مع إدراكهم بأن تلك الخمر الخبيثة هي مصدر كل رذيلة، حيث إنه بغياب وعي وإدراك شخص ما بسبب الخمر، يصير مهيئًا تمامًا لارتكاب شتى أنواع الجرائم والرذائل والمنكرات، من قتل، وزنا واغتصاب، وسرقة، .... إلى غير ذلك من الفواحش والمنكرات([40])، حيث يصير الإنسان يتصرف بطريقة عشوائية بهائمية مثل الحيوانات، بل أحطّ سلوكًا منها، بعد أن حُجب وفُقد عقله.
وهناك من القسيسين من تدرج في شرب الخمر إلى أن وصل إلى حدّ الإدمان في شربها، بسبب مثل ذلك الادّعاء الذي قد نُسب إلى المسيح افتراءً وزورًا.
حيث إن القسيسين كانوا يتناولون تلك الخمور فيما يُسمّى عندهم بالتقليد الكنسي بإقامة العشاء الربّاني (على حدّ زعمهم).
ونختم هذه النقطة بالإشارة إلى: أن الله سبحانه وتعالى مُنزّه تمامًا عن أن يُشرّع إباحة تناول أي من تلك الخمور والمسكرات، أو أن يجعل تحويل الماء إلى خمر معجزة لأحد أنبياءه ورسله.
فالله عز وجلّ عظيم، لا يصدر منه إلا ما هو جميل وعظيم.
حفظنا الله جميعًا من الخمور وشرّها، ومن سوء المعتقد في الله سبحانه وتعالى.
التحريف والكتاب المقدس للنصرانية، ونوع الكلام المذكور فيه
لقد استطاعت الأيدي الخفيّة ذات المطامع والأهواء أن تنال من الإنجيل الذي جاء به المسيح، ومن قبله التوراة التي جاء بها موسى... إلى غير ذلك مما قد سبق الإنجيل والتوراة في مجيئهما.
ومن ثم فإن الكتاب المقدس للنصرانية بما هو متضمن له مما يُسمّى بالعهد القديم، وأيضًا ما يُسمّى بالعهد الجديد، قد تم تحريفه وتضييعه من قِبَل الحاقدين وأعداء الدين.
ويشهد على ذلك: عدم وجود نسختان متطابقتان من المخطوطات التي ترجع إليها النصرانية، لتزكّي وتدعّم إحداهما الأخرى.
فإننا نجد تحت ما تسمّيه النصرانية بالعهد الجديد ما يُسمّى بإنجيل متى وإنجيل لوقا وإنجيل يوحنا وإنجيل مرقس، ولا نجد ما يُسمّى بإنجيل المسيح، إضافة إلى الاختلافات والتناقضات والتضاربات بين كل من تلك الأناجيل وبعضها البعض.
غير أننا نجد نسبة ما يُنسب إلى المسيح مع ما قد ناله من تحريف وتضييع، لا يتجاوز 10% من محتويات تلك الأناجيل المختلفة، والإنجيل ذو الحروف الحمراء يوضح ذلك.
وإذا كان الأمر كما ذكرنا، فماذا عن باقي محتويات الأناجيل الـ90%، الغير منسوبة إلى المسيح؟!! من كتبها؟ ومن أضافها؟ ولماذا؟!
وهل لأحد أن يكتب أو يضيف كلمة واحدة إلى كلام الله تعالى، فضلًا عن 90% تنسبها النصرانية من كتابها إلى غير كلام المسيح؟!
مع التنويه إلى: أنه من المعلوم أن الإنجيل الذي قد جاء به المسيح لم يُكتب في عهده، وإنما كانت كتابته بعد ما يُقارب الـ 300 سنة من رسالته، ومن ثم تعدّدت الأناجيل مع ما بها من اختلافات وتناقضات، وكثرة للمراجعات والتنقيحات إلى يومنا الراهن، والتي ستظل كذلك إلى ما شاء الله تعالى.
لذلك، فإنه لا يوجد سند متّصل لمثل تلك الأناجيل المختلفة يصحّ نسبه إلى المسيح.
ويؤكد ذلك: أن الكثير من كُتّاب ومؤلفي الكتب والأسفار التي يتكون منها الكتاب المقدس للنصرانية، منهم من هم مشكوك فيهم، ومنهم من هم مجهولون بالكليّة.
ومثال ذلك: أن الكُتَّاب للنسخة المنقحة يقولون عن مصدر سفر القضاة: أنه ربما يكون صموئيل، وسفر راعوث ربما يكون صموئيل، والعجيب: أنهم عندما يأتون إلى سفر صموئيل نفسه يعلنون أن المؤلف مجهول.
أي أن كتاب ومؤلفي الأسفار مشكوك فيهم.
وغير ذلك الكثير والكثير من الأسفار التي يشكّون في كتّابها ومؤلفيها، والأسفار التي يُجهل كتابها ومؤلفيها بالكلية.
ومن نماذج التحريفات والتغييرات التي قد تمّت بالكتاب المقدس للنصرانية، والتي اكتشفت بواسطة ما قام به المراجعون (من علماء المسيحية) للنسخة المعتمدة (نسخة الملك جيمس) للكتاب المقدس للنصرانية، حين رجعوا (كما يقولون) إلى المخطوطات الأكثر قدمًا، وهؤلاء المراجعون كما يوصفون: 32 عالمًا يعودون إلى خمسين طائفة مختلفة، حيث قد استبدلوا كلمة (ghost) بكلمة (spirit)، بحيث يصير المعزى الذي بشرت بمجيئه الأناجيل يُسمّى (The Holy spirit).
وذلك من التحريف والتغيير والتبديل البيِّن، حيث إنهم لو كانوا يعلمون أن ما بأيدهم هو كلام الله حقًّا لما تلاعبوا بكلماته وألفاظه مثل ذلك التلاعب الواضح الصريح، وذلك حتى يُشبعوا أهواءهم، وتتحقق لهم مطامعهم، وتتجدد المبيعات من كتابهم مرة أخرى، وهكذا، كما هو الدأب منذ زمن بعيد، حيث الإصدار المتجددة للنسخ العديدة المختلفة بمرور الزمان، ومن ثم جمع الأموال الطائلة جرّاء ذلك الإسلوب المخادع.
وصدق الله تعالى إذ يقول:
âفَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَá [البقرة: 79].
ومما يبرهن على أن الكتاب المقدّس للنصرانية قد حُرِّف وضيِّع: ما قد أشرنا إليه في النقطة السابقة لهذه الجزئية، تحت عنوان (إلى أي شيء يدعوا الكتاب المقدس للنصرانية؟)، بحيث يمكن الرجوع إليها، وذلك حتى لا نلجأ إلى التكرار.
نوع الكلام المذكور في الكتاب المقدس للنصرانية
ولإيضاح نوعية ذلك الكلام المذكور بكتاب النصرانية، نشير إلى مزيد من مواضع مثل تلك القصص الفاحشة الرذيلة، التي يتضمنها (الكتاب المقدس للنصرانية)، والتي تصور الكثير والكثير من مشاهد الزنا والاغتصاب وقصص العاهرات (الزواني)، مع وصف فاضح لعهرهن، وتفصيل مقذذ لتلك المشاهد جزءً بجزء، ابتداءً من أول الحدث وحتى نهايته، مما يثير الغرائز الجنسية للإنسان القارئ أو السامع لها، ومن ثم مُؤدّى ذلك إلى الانحطاط الخُلُقي، والانغماس في مستنقع مثل تلك الفواحش، والتي هي من أحطّ وأقبح الرذائل والمنكرات.
ومن ثم عدم ترك أدنى مجال للشك، لدى صاحب فطرة نقية ونفس زكيّة وعقل رشيد، في أنّ الكتاب المقدّس للنصرانية قد خضع تمامًا لما قام به الملوثون من تحريف وتضييع له.
ومن المواضع التي تؤكد ما أشرنا إليه، حيث لا يمكن ذكره تعفّفًا، الآتي:
(سفر التكوين 19: 3 – 35)، والذي ينصّ على أحد أنواع زنا المحارم، والذي هو من أقبح وأحطّ أنواع الزنا، حيث يذكر قصة زنا الأب بابنتيه، وكيفية حدوث ذلك.
(سفر التكوين 35: 22)، حيث يذكر قصة زنا الابن بزوجة أبيه.
(سفر التكوين 38: 15 – 18)، حيث يذكر قصة زنا الزوجة بوالد زوجها.
(سفر صموئيل الثاني 13: 11، 13 : 14)، حيث يذكر قصة زنا الأخ بأخته، بل اغتصابها.
(سفر صموئيل الثاني 16: 22)، حيث يذكر قصة زنا الابن بزوجات أبيه.
وإذا ما أراد أحد أن يقرأ مزيدًا عن الإباحية والجنس، فإنه يمكنه الرجوع إلى مثل تلك الأسفار بالكتاب المقدس للنصرانية، التي سوف نشير إلى مواضع بعض منها، حيث إن بها قصصا للعاهرات (الزواني) مع وصف فاضح لعهرهن، وتصوير مُقزّز لتلك المشاهد من الزنا، ومن تلك المواضع:
(سفر حزقيال 23: 1 – 49)، (سفر التثنية 38: 8 – 10).
(سفر هوشع 4 : 12)، (سفر هوشع 4: 14 – 15)، نشيد الإنشاد.
إلى غير ذلك من المواضع الكثيرة التي تؤكد ما ذكرنا.
ولذلك، فإن من قليل ما أشرنا إليه من بعض محتويات الكتاب المقدّس للنصرانية في هذه الجزئية، يتبيّن:
أن اللغة المستخدمة بالكتاب المقدس للنصرانية إنما هي لغة أهل الفسق والعهر، وأهل الخمور والفجور، حيث إن اللغة المستخدمة فاسقة إلى حد كبير، بحيث يستعف الإنسان الفاضل عن قراءة مثل ذلك الكلام بعينه، فضلًا عن سماعه أو النطق به.
ومن المُحال لذي فطرة سوية ونفس زكيّة وعقل رشيد، أن ينسب مثل ذلك الكلام المذكور بالكتاب المقدس للنصرانية إلى الله تعالى.
فتعالى الله عز وجل عن كل سوء علوًا كبيرًا.
مؤسس عقيدة التثليث في النصرانية
يعدّ بولس (قديس النصارى) هو مؤسس المسيحية القائمة على عقيدة التثليث (تعدد الآلهة)، كما نراها اليوم، وكذلك يعتبره النصارى أيضًا.
ولقد أدخل بولس في عقيدة النصرانية من الكفريات والشركيات، ما لم يقله المسيح عليه السلام، وما لم يدع إليه، وهذا ما يعترف به النصارى أنفسهم، غير أن بولس (قديس النصارى) قد غيّر وبَدَّل في كتاب النصرانية الكثير والكثير، حيث إن (بولس) قد ألّف أسفارًا (يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية) كثيرة أكثر من أي مؤلف آخر من مؤلفي الكتاب المقدس للنصرانية.
وقد كان يكتب في رسائله المؤلفة من التعبيرات والمبالغات ما لا يفهم معناها حرفيًا، مما قد جعل من تعاليم المسيح فوضى هائلة.
والعجيب، أننا نجد: أنه في حين عدم كتابة المسيح عليه السلام كلمة واحدة من الكتاب الذي تقدسه النصرانية، وأن ما يُنسب إليه من ذلك الكتاب (الكتاب المقدس للنصرانية) لا يتجاوز الـ10%، مع عدم كتابته له، حيث يتضح ذلك فيما يسمى بإنجيل الحروف الحمراء (الذي يوضح نسبة الكلام المنسوب إلى المسيح باللون الأحمر)، نجد أن قديس النصرانية بولس قد تفوق على المسيح وقام بتأليف أكثر من نصف الكتاب المقدس للنصرانية وحده (وفقًا لما تمليه عليه أهواءه، حيث إن كلام الله تعالى لا يُؤلف)، وذلك هو سبب تفضيل (مايكل هارت) لبولس على المسيح في كتابه أعظم مائة في التاريخ.
ولذلك: فإننا نجد أن النصرانية على الدوام عندما تتحدث، تقول: قال بولس ... يقول بولس ...، ولا نجدها تتحدث بما تنسبه إلى المسيح في كتابها إلا نادرًا.
ولا شك: أن ذلك من التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية، والذي يشهد بعدم مصداقية كتابها، وأنه ليس إلا مؤلفًا من قِبَل العديد من المؤلفين، وفقًا لما تمليه أهواء ومعتقدات كل منهم، ومن ثم نجد التناقض البيّن بين محتوياته ومؤلفاته (الكتاب المقدس للنصرانية).
ومن العجيب أيضًا، أننا نجد: أن مؤلفي أناجيل النصرانية لم يعرفوا شيئًا عن قديس النصارى (بولس)، بل إن بولس نفسه لم يكن يعلم شيئًا عن الأناجيل الأربعة لدى النصرانية، مع أنه (بولس) وغيره أنبياء في زعمها (النصرانية).
ولا شك أن ذلك أيضًا من التناقض العظيم الذي تقع في النصرانية، والذي يوضح عدم مصداقية كتابها، والذي يتضمن أقوال ومؤلفات كل منهم.
حقيقة بولس ونشأته
ونوضح هذه الجزئية من كتاب (عتاد)، للشيخ/ أحمد ديدات، مع تصرف يسير، كالآتي:
لم يكن بولس أحد الحواريين الـ 12 للمسيح عليه السلام، وإنما كان يهوديًا اسمه (شاول)، وكان يضطهد المسيحيين الأوائل أشدّ الاضطهاد كما يعترف هو بذلك، ومع أنه لم يكن من الحواريين إلا أنه قد كتب وألّف أكثر من نصف كتاب النصرانية وحده، وقد روّج المسيحية (بمفهومه ومعتقده الذي أدخله فيها) في عقر ديار الدولة الرومانية، وقدّم لهم الكثير من التسهيلات المخالفة للشريعة المسيحية (تبعًا لهواه وما يمليه عليه عقله) لكي يتحولوا إلى المسيحية، وقدّم لهم المسيح (كإنسان إله) أو (إله إنسان)، وهي صورة مألوفة لدى الرومان الذين كانوا يتصورون الآلهة على صورة البشر.
تعالى الله عز وجل عن ذلك الإفك علوًا كبيرًا.
ولقد أباح بولس للرومان أيضًا: شرب الخمور، وعدم ضرورة الاختتان، تجرءً وافتراءً منه على الله تعالى وشريعته.
ثم كانت عاقبته (بولس) المخزية من الله تعالى له في الدنيا قبل الآخرة، أن تمّ قتله صلبًا بأمر من الإمبراطور نفسه، وهو الإمبراطور نيرون.
فبولس إنما هو يهودي الأصل، قام ببث سمومه في المسيحية، ومن ثم تحريف مسارها عن الصراط المستقيم.
ولقد حاول أيضًا أحد اليهود، وهو عبد الله بن سبأ، أن يُقلّد بولس ويتبعه، بأن يفعل في الإسلام نفس ما فعله بولس في المسيحية.
حيث حاول عبد الله بن سبأ اليهودي، أن يبث سمومه أيضًا في الإسلام، بعد أن ادّعى الإسلام نفاقًا (أي أنه ما زال على اليهودية)، فأخذ يطعن في أئمة المسلمين، ويثير الفتن المؤديّة للحروب بين المسلمين ... إلى غير ذلك، مؤسسًا بذلك الفرقة المارقة، وهي (الشيعة الروافض)، التي لا تعرف لله حقًّا، ولا لطريق النبي محمد r اتباعًا، ولا تعرف لأصحابه الكرام قدرًا، وهم (الصحابة الكرام) الذين صبروا على عظيم الإبتلاءات والمحن، والتضحية بكل غالٍ وثمين من نفس ومال ... في سبيل نشر هذا الدين العظيم (الإسلام) إلى كافة أنحاء الأرض.
فلقد قام عبد الله بن سبأ (اليهودي) بتأسيس تلك الفرقة (الشيعة الروافض) على الاعتقاد الفاسد في ذات الله تعالى والعديد من المعتقدات الأخرى الفاسدة، والقائمة على الطعن في كتاب الله تعالى (القرآن الكريم) والقائمة على الطعن في آل بيت النبي محمد r (أزواجه الأطهار)، والقائمة على الطعن في أصحابه (أصحاب النبي محمد r) الكرام....، والقائمة على كثير من التشريعات الفاسدة (كزواج المتعة، واختلاس وسرقة الأموال بزعم جمعها لإمامهم المنتظر).... إلى غير ذلك من المعتقدات والتشريعات الفاسدة، والمفتراة على الله تعالى كذبًا وزورًا.
فلقد حاول عبد الله بن سبأ اليهودي، القيام تمامًا بعمل بولس في المسيحية، حيث إن (عبد الله بن سبأ) في بدايته قام بالرفع من مرتبة الإمام علي بن أبي طالب (أحد أصحاب النبي محمد r، ورابع الخلفاء الراشدين في الإسلام) إلى منزلة فوق منزلة من سبقه من أئمة المسلمين (أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان)، ثم قام برفع مرتبته (علي بن أبي طالب) إلى منزلة الألوهية، بعد أن ادّعى له الوصية بالخلافة.
وكان عبد الله بن سبأ اليهودي يحاول تأليه الإمام علي بن أبي طالب، مثلما فعل بولس بتأليه المسيح.
بل إن من التماثل والتطابق بين عبد الله بن سبأ اليهودي، وبين بولس المسيحية:
أن عبد الله بن سبأ بعد ما أن زعم ألوهية الإمام علي بن أبي طالب، زعم أنه نبي، محاكاة لما فعله بولس النصرانية، من تأليه للمسلح، وادّعاء لنفسه بالنبوة.
ولكن الفرق بين بولس المسيحية، وابن سبأ اليهودي:
أن بولس قد نجح في بث سمومه (من معتقدات باطلة وتشريعات فاسدة) في المسيحية، ومن ثم تحريف مسارها عن الصراط المستقيم.
بينما لم ينجح ابن سبأ اليهودي في ذلك، حفظًا من الله تعالى لهذا الدين الخاتم (الإسلام) الذي جاء به النبي محمد r.
ثم كانت خاتمة السوء لذلك اليهودي المنافق عبد الله بن سبأ شبيهة أيضًا بنهاية ذلك المخادع بولس، الذي قد قُتل صلبًا بأمر من الإمبراطور نيرون، خزيا من الله تعالى لهما في الدنيا قبل الآخرة.
عقيدة بولس والتناقض العظيم
إننا نجد الكثير والكثير من التناقضات والاختلافات في المسيحية، ولكن ما يثير العجب والدهشة: أن يُناقض بولس (قديس النصرانية) المسيح نفسه (إله النصرانية، كما في اعتقادها).
فبينما نجد أن الخلاص (النجاة) عند المسيح يكون بالتحقق بما ورد في الوصايا كما
(إنجيل متى 19: 16- 7)، نجد أن الخلاص (النجاة) عند بولس يتم بالاعتقاد في تأليه المسيح، ومن ثم صلبه وموته (أي صلب وموت الإله).
تعالى الله عز وجل عن ذلك الإفك علوًا كبيرًا
وذلك يوضح التناقض العظيم الذي تقع فيه النصرانية، ومن ثم بطلان ما هي عليه من كلام بولس.
وإضافة إلى ما سبق:
إننا نلحظ بوضوع فساد ما يدعوا إليه قديس النصرانية بولس، من معتقدات وتشريعات باطلة، ومن ذلك: رسالته إلى أهل رومية (8: 15)، حيث تقول:
«إن روح الله تدخل فيك، وتُصبح ولدًا لله، وتصرخ: أبا الباب ... فقد أصبح الآن الله أبوك، ويمضي ويقول: إنه قد أصبح الآن لك أيضًا أم جديدة».
ولذلك يوجد الآن من يطلقون على أنفسهم المولودين مرة ثانية، ويقولون: بأن أبانا الله (تعالى الله عن ذلك الإفك علوًا كبيرا).
ويتضح من ذلك الذي أشرنا إليه: أنه إذا ما كان الأصل (المعتقد) فاسدًا، فإننا لا نندهش مما قد يصل إليه المرء بعد ذلك، من عظيم الفحش والفساد في المعتقد الذي يؤمن به وكذلك التشريع الذي يتمسك به، والسلوكيات والتصرفات الصادرة منه، حيث إن المرء إذا لم يستح، فهو يصنع ما يشاء.
من تشريعات بولس
ها هو قديس النصرانية (بولس) يستطرد في بث سمومه في المسيحية، من خلال تشريعاته الفاسدة، التي لا تطيب لها نفس سوية ولا يُقرّ بها عقل رشيد.
فبينما نجد ما قد أثبته العلم الحديث من الأضرار والمفاسد الناتجة عن تناول الخمور والمسكرات، نجد أن قديس النصانية بولس يقدم للنصرانية الوصيّة بشرب الخمر عن الماء، ويفضله على الماء، على أن يكون ذلك وحيًا من الله تعالى، كما في الرسالة الأولى إلى (ثيموثاوس 5: 23).
تعالى الله عز وجل عن ذلك علوًا كبيرا.
وبذلك يكون قديس النصارى بولس قد وصف الله تعالى بالجهلِ وعدم علمه بما تسببه الخمور والكحوليات من أضرار لمتناوليها، ومن ثم عدم حكمته في تشريعاته وأحكامه (تعالى الله عز وجل عن كل ذلك الإفك علوًا كبيرا).
بل إننا نجد أيضًا أن قديس النصرانية بولس، قد ناقض وخالف ما جاء بوجوب الختان، كما في العهد القديم من الكتاب المقدس للنصرانية.
ولم يكتف بولس بمعارضته لما جاء في الكتاب المقدس للنصرانية، بل إنه قد هدّد كل من يختتن بأنه لن ينفعه المسيح بشيء، إلى غير ذلك من تشريعاته (تشريعات بولس) الفاسدة، النابعة من أهواءه ومن ثم يتبين لنا كذب بولس وافتراءه على الله تعالى، بل إنه يعترف بذلك.
من اعترافات بولس:
لقد اعترف بولس بكذبه على الله تعالى، كما ورد في رسالته إلى أهل روميّة (3: 7)، حيث يقول: «إن كان صدق الله، قد ازداد بكذبي لمجده».
بل إن من العجيب: أنه (بولس) يدافع عن كذبه وخطيئته، فيقول:
«فلماذا أُدان أنا بعد كخاطئ».
وغير ما ذكرنا الكثير والكثير من فضائح وأكاذيب قديس النصرانية (بولس).
ومما أشرنا إليه من الدلائل الواضحة، يكون البرهان والاستنتاج، بأن: قديس النصرانية بولس، ليس بنبي كما هو الزعم لديها، وإنما هو مفتر متجرئ على الله تعالى وأحكامه وتشريعاته، ومن ثم يتبيّن عدم مصداقية الكتاب المقدس للنصرانية، والذي قد ألف بولس أكثر من نصفه وحده، وأنه ليس بكلام الله عز وجل، وإنما هو كتاب مؤلف من قبل البشر، أمثال بولس وغيره.
نشأة عقيدة التثليث، ومن ثم عقيدة الصلب والفداء، وبطلانهما
إن المتصفح في الكتاب المقدس للنصرانية، يجد أنه كتاب قائم على جذور إغريقية (يونانية) بمفاهيم مغلوطة، حيث إن التراث الإغريقي (اليوناني) هو ما كان سائدًا في العالم حينئذ.
فقد كانت الثقافة اليونانية القائمة على تعدد الآلهة وتجسيمها هي المسيطرة في ذلك الوقت، ومن تلك النقطة كانت البداية في انحراف النصرانية عن توحيد الله تعالى، وإتجاهها إلى التثليث.
وقد انتشرت تلك العقيدة الفاسدة (التي تذمّ وتعيب الإله الخالق) في اليونان وإيطاليا.
ولقد شاع في الوثنيات القديمة اعتبار بعض الملوك والعظماء آلهة ومخلّصين للشعوب من الأزمات والخطايا، ويوضح ذلك ما ذكره السير (آرثر فندلاي) في كتابه (صخرة الحق)، حيث ذكر أسماء ستة عشر شخصًا اعتبرتهم الأمم آلهة سعوا في خلاص هذه الأمم، منهم:
أوزوريس في مصر (1700 ق.م)، وبعل في بابل (1200 ق.م)، وديوس فيوس في اليونان (1100 ق.م)، وكرشنا في الهند (1000 ق.م)، وبوذا في الصين (560 ق.م)، وبرومثيوس في اليونان (547 ق.م)، ومتر (متراس) في فارس (400 ق.م).
ونتيجة للغلو في محبة شخصية المسيح، اعتبرته بعض الطوائف إلهًا أيضًا، ثم نشأت عقيدة الصلب والفداء لوضع مُبرّر لنزول ذلك الإله على الأرض، ثم عملت على نشر ذلك المعتقد الفاسد.
ومن المعلوم أن أقدم إنجيل لدى النصرانية إنما هو باللغة اليونانية، على الرغم من أن اليونانية لغة لم يتكلمها المسيح عليه السلام، وذلك من التناقضات العظيمة التي تقع فيها النصرانية، والتي توضح أن الإنجيل الذي بين يديها الآن ليس من كلام المسيح، وإنما هو تأليف بشري، لكثير من المؤلفين، وفقًا لما تمليه عليهم الأهواء.
وعند الرجوع 1000 سنة ق.م، نجد أن التاريخ مليء بنقوش وكتابات تعكس إعجاب الناس بالشمس، والسبب في ذلك: أن الشمس تشرق كل صباح مُحضِرةً الرؤية والدفء، ومُنقذة للإنسان من الليل البارد... إلى غير ذلك من منافعها، التي هي بتقدير من الله تعالى.
فبدون الشمس، عرفت الثقافات أن المحاصيل لن تنمو، ولن تبقى حياة على الأرض.
فالحضارات القديمة تتبعث الشمس والنجوم، وقامت بتجسيد حركاتها وعلاقاتها ببعضها البعض في أساطير مختلفة.
لقد تمّ تجسيد الشمس بصفاتها التي قد جعلها الله تعالى سبًا في الإنقاذ على أنها الخالق، أو الإله الغير منظور، حيث كانت تُعرف بـ(شمس الإله) أو (نور العالم) أو (مُخلّص البشرية). وكذلك اعْتُبرت البروج الـ 12 الفلكية أماكن حلول شمس الإله.
فحورس هو إله الشمس عند المصريين القدماء (3000 ق.م)، حيث إن (حورس) هو الشمس المتجسدة كإنسان، وحياته عبارة عن سلسلة من الأساطير المستعارة من حركة الشمس في السماء.
فحورس (الإله الشمس المتجسد كإنسان) عند المصريين القدماء هو نفسه المسيح (الإله المتجسد كإنسان) عند النصارى اليوم، ويتبيّن ذلك جليًّا من قصة حورس الخرافية، المطابقة لما قد افتراه المسيحيون على المسيح من أوهام وقصص خيالية ونوضح ذلك، كالآتي:
وُلد حورس في 25 ديسمبر من العذراء إيزيس (ماري)، (كما يعتقد المصريون القدماء)، وأن ولادته قد ترافقت بظهور نجم في الشرق، ثم قام ثلاثة ملوك بتتبعها لتحديد المولود (المُخلِّص، كما في زعمهم).
وفي سن 12 سنة كان حورس صبيًّا كثير العلم، ومعلما.
وفي سن الـ 30 من عمر حورس، قام من يُدعى بـ(أنوب) بتعميده، وهكذا بدأ خدمته.
وأيضًا كان لحورس 12 تلميذ يجول معهم.
وقد صنع حورس أيضًا العديد من المعجزات (كما في زعم المصريين القدماء)، مثل شفاء المرضى، والسير على الماء.
وعُرف حورس بالعديد من الأسماء الإيحائية (كما في زعم المصريين القدماء)، مثل: الحق والنور، وابن الإله الممسوح، وحمل الإله، والراعي الصالح .... إلى غير ذلك.
ووفقًا لما في معتقد المصريين القدماء، نجد أن حورس (الإله الشمس المتجسد كإنسان كما في زعمهم) قد صُلب بعد أن خانه (تبفون)، ثم دُفِن (حورس) 3 أيام، وأنه قام بعد ذلك من بين الأموات.
ومما أشرنا إليه، يتضح: أن قصة حورس الزائفة عند القدماء المصريين، هي نفسها قصة المسيح المفتراة زورًا وبهتانًا من عُبَّاده المسيحيين اليوم، حيث إن الفرق الوحيد هو في اختلاف الزمان، وأسماء الأشخاص.
فتعالى الله عز وجل عن كل تلك الافتراءات علوًا كبيرا.
فمن رضي في اعتقاده بإلهه وخالقه مثل تلك الأوهام والافتراءات، ومثل تلك النقائص والعيوب، كتجسده (الإله الخالق العظيم) في صورة بشرية كمخلوق ضعيف، ومن ثم صلبه وقتله، ودفنه بين الأموات، وقد صاروا أجسادًا بالية، مُتحلّلة، تسري الديدان القذرة بين أحشاءها ومن فوقها وعلى جنباتها، فعليه أن يؤمن أيضًا بحورس (إله الشمس عند المصريين القدماء)، لأنه لا فرق إذن بين أي من الاعتقادين الفاسدين، سواءً كان عند المصريين القدماء أو لدى النصارى اليوم.
والتساؤل المهم:
أنه إذا ما آمنت النصارى بما كان عليه المصريون القدماء، من اعتقاد فاسد، ولا سبيل لها غير ذلك، لأن كلتا القصتين متطابقتين، فأي من الإلهين أحقّ بالعبادة، حورس كما يعتقد المصريون القدماء، أم المسيح الذي يزعمون ألوهيته؟؟
(مجاراة لافتراءات النصرانية)
وإذا ما جازف أحدهم (أحد النصارى) عنادًا، واتباعًا للهوى، باختيار أحدها (وهو المسيح)، فهل يكون المسيح حقًّا هو الأحقّ بالعبادة، إذا ما علمنا أن هناك الكثير من القصص المزعومة عند القدماء (ق.م)، مُطابِقة لقصة المسيح (المُفتراة) عند النصارى اليوم، مع العلم بأن تلك القصص المتماثلة لقصة المسيح، هي أقدم وأسبق بكثير مما قد افترته النصرانية اليوم حول المسيح والزعم بألوهيته وعبادته، فهل يكون المسيح بذلك هو الأحق بالعبادة؟!
(مجاراة لافتراءات النصرانية)
فما قصة المسيح المزعومة لدى النصارى اليوم إلا نقل ونسخ لما كانت عليه الأمم السابقة من اعتقادات فاسدة، وزعم باطل.
لا شك: أنه لا التباس بين الحق والباطل، وأن الحق هو في غير مثل ذلك المعتقد الفاسد، الذي قد تناقلته النصرانية اليوم من الأمم السابقة، والذي يعيب وينقص من قدر وشأن الإله العظيم الخالق.
ونوضح: أن خِصال حورس المطابقة لافتراءات النصرانية اليوم بشأن إلهها المسيح، كانت موجودة في العديد من ثقافات العالم، حيث إن العديد من الآلة الأخرى (كما في معتقدات الشعوب السابقة) تحمل نفس الإطار الإسطوري العام، مثل:
أتيس (فرجيا): وُلِد من العذراء ناتا، في 25 من ديسمبر، ثم صُلب ودُفن، ثم بعد 3 أيام قام من بين الأموات (كما في زعمهم الباطل).
ومثل: كريشنا (الهند): وُلِد من العذراء ديفاكي، مع نجم في الشرق يُعلن ولادته، وأنه صنع المعجزات مع تلاميذه، ثم بعد موته قام أيضًا من بين الأموات (كما في معتقدهم الباطل).
ومثل دنيوسيس (اليونان): وُلد من عذراء في 25 ديسمبر، وأنه كان مُعلّما رحّالًا، صنع المعجزات مثل تحويله الماء إلى خمر (وفي ذلك تطابق لما تفتريه النصرانية على المسيح من أن أول معجزاته كانت تحويله الخمر إلى ماء)، وأنه سُمِّي بأسماء مثل (ملك الملوك) و(ابن الإله الوحيد المولود)، وأنه أيضًا بعد موته قام من بين الأموات (كما في معتقداتهم الباطلة).
ومثل ميترا (الفرس): وُلِد من عذراء في 25 ديسمبر، وكان لديه 12 تلميذ، وأنه صنع المعجزات، ثم بعد موته بـ 3 أيام قام من بين الأموات.
والعجيب: أن يوم عبادة ميترا (الفرس)، هو يوم الأحد .... إلى غير ذلك، من معتقداتهم الباطلة.
خلاصة الأمر:
أن هناك العديد من المُخلِّصين من جميع أنحاء العالم، يشتركون في الصفات العامة (كما هو الزعم الكاذب)، مما هو يدعوا إلى تساؤل مهم، وهو:
لماذا تلك الصفات؟ لماذا الميلاد العذري (من عذراء، أي بدون تدخل بشري) في 25 من ديسمبر؟؟
وللإجابة على ذلك التساؤل، نتعرّف على آخر المخلّصين وهو المسيح (كما هو الزعم لدى النصرانية)، والذي يعبده النصارى، ويقولون، بأنه إله مُتجسد في صورة إنسان.
فالمسيح، كما في زعم النصرانية: وُلِد من العذراء مريم في 25 ديسمبر في بيت لحم، وأُعلنت ولادته بنجم في الشرق، وقام بتتبعه ثلاثة ملوك، أو مجوس لتحديد وإهداء المُخلّص الجديد.
وأنه (المسيح) عندما كان عمره 12 سنة كان صبيًّا معلِّمًا.
وأنه (المسيح) عندما كان عمره 30 سنة، قام يوحنا المعمدان بتعميده.
وأنه (المسيح) كان له 12 تلميذ يتجول معهم، ويصنع المعجزات، مثل شفاء المرضى، والسير على الماء، تمامًا مثلما كان يعتقد المصريون القدماء في إلههم حورس الذي كان متجسدًا في صورة إنسان.
وأنه (المسيح) كان يُعرف بـ(ملك الملوك) و(نور العالم) و(حمل الإله) تمامًا مثلما كان يعتقد اليونانيون (في نيوسيس).
وأنه (المسيح) بعدما أن تمّت خيانته من يهوذا، تمّ صلبه، ووضع في القبر، ثم بعد 3 أيام قام من بين الأموات.
تعالى الله عز وجل عن كل تلك الافتراءات علوًا كبيرا.
وهنا يبدو تساؤل جديد، وهو:
لماذا خصّص 25 ديسمبر بالميلاد العذري للآلهة المزعومة، دون غيره من التواريخ؟
الجواب: هو: لعل ما دفع إلى ذلك الوهم الباطل، والأكاذيب المفتراة، هو:
أنه في 25 ديسمبر تتحرك الشمس درجة واحدة شمالًا، مُبشّرة بطول الأيام.
ولعلنا نلحظ أيضًا: أن أكثر رموز فلكية تتعلق بتلاميذ مسيح النصرانية الـ 12 تلميذ، هي الأبراج الـ 12 في دائرة الأبراج الفلكية.
تساؤل آخر:
لماذا تتوهّم وتعتقد الشعوب السابقة (التي كانت تعبد الشمس وغيرها كآلهة متجسدة في صورة بشرية) ومن ثم النصرانية تابعة لها (حيث قامت بعبادة المسيح كإله متجسد في صورة بشرية) الموت لآلهتها المزعومة لمدة 3 أيام؟!
الجواب، لعل ما دفعهم إلى ذلك: أنه ابتداءً من يوم 22 ديسمبر تبدو الشمس وكأنها قد توقفت عن الحركة لمدة 3 أيام، وكأن فَناء الشمس صار أمرًا مُحققًا، وهو ما يُسمّونه توهّمًا (بموت الشمس)، وخلال تلك الأيام الثلاثة الفاصلة، تقع الشمس قرب تشكيلة الأبراج المُسمّاه بالصليب الجنوبي.
وفي 25 ديسمبر تتحرك الشمس بمقدار درجة واحدة شمالًا مبشرة بطول الأيام.
ولهذا السبب يُقال ماتت الشمس على الصليب لمدة 3 أيام فقط، لتقوم أو لتتولد من جديد.
ولهذا السبب يتشارك مسيح النصرانية، والآلهة الأخرى كالشمس وغيرها في الصلب والموت لمدة 3 أيام، والقيامة من الموت (افتراءً وكذبًا على الله تعالى).
فالمسيحية ليست إلا مُجرّد قصة رومانية، تطورت سياسيًا، ويسوع (المسيح) النصرانية هو الإله الشمس للمسيحية الغنوسية.
فالديانة المسيحية (النصرانية) في تصورها اليوم، ليست إلا محاكاةً ساخرةً لعبادة الشمس، حيث وضعت رجلاً يسمى يسوع (المسيح) مكان الشمس، ومنحته العبادة التي كانت أصلًا للشمس فالمسيحية في تصورها اليوم ليست إلا بناء على الباطل، كما يشهد التاريخ بذلك.
نقض عقيدة التثليث، وبطلانها
يقول إنجيل يوحنا: «لأن الشهود في السماء ثلاثة، الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة واحد» (رسالة يوحنا الأولى 5: 7).
فتلك الجملة هي أقرب إلى ما يسميه النصارى بالثالوث المقدس، وهو أحد دعائم النصرانية ولكن العجيب في الأمر (كإحدى التناقضات في المسيحية) هو أن مراجعوا النصوص المنقحة قاموا بحذف تلك الجملة، باعتبارها زيفًا عقائديًا، ولكن الترجمات الأخرى لكتابهم المقدس ما زالت تحتوي على تلك الفقرة السابق ذكرها (التي تمثل الإعتقاد الزائف لدى النصرانية)، والتي قد حُذِفت قبل ذلك من مراجعوا النصوص المنقحة([41]).
نقض وإبطال عقيدة التثليث بالدليل
والبرهان العقلي الدامغ
أ- إن النصرانية تقول بأن الآب هو الله، والابن هو الإله، والروح القدس هو الله، ولكنهم ليسوى ثلاثة آلهة، وإنما هو إله واحد.
وتقول بأن الآب قدير، والابن قدير، والروح القدس قدير، ولكنهم جميعًا ليسوا ثلاثة قديرين، وإنما هو قدير واحد.
وتقول بأن الآب شخص، أو أقنوم، والابن شخص أو أقنوم، والروح القدس شخص أو أقنوم، ولكنهم ليسوا ثلاثة أشخاص أو أقانيم، وإنما هم شخص أو أقنوم واحد([42]).
وذلك يُنافي أدنى درجات العقول.
فأي من اللغات تتحدث النصرانية بها، حيث تجعل الثلاثة واحدًا، والواحد ثلاثة.
فالفطر السليمة السوية السويّة، والعقول الراجحة الرشيدة تخالف وتعارض ذلك المعتقد أشد ما يكون التخالف والتعارض.
ب- وكما أشرنا، فإن النصرانية تعتقد بأن الإله عبارة عن ثلاثة أشخاص أو أقانيم، وهم الآب والابن والروح القدس، وأن هؤلاء الثلاثة هم واحد، وقد أوضحنا أن ذلك يخالف أدنى درجات المعقول، حيث إن ذلك يقود إلى الاعتقاد (عن طريق الاستنتاج) بأنهم (الأشخاص أو الأقانيم) غير منفصلين.
وبما أن النصرانية تعتقد أن الإله الابن (المسيح) قد عُذِّب وصُلب، ثم مات، فإن ذلك يعني: أن كلا من الآب والابن والروح القدس قد عُذِّبا أيضًا مع الابن لكونهما غير منفصلين عنه.
(مجاراة لافتراءات النصرانية على الله تعالى)
وذلك لأن النصرانية تعتقد أن الثلاثة أقانيم المتمثلة في الآب والابن والروح القدس، إنما هم واحد. ومن ثم فإن الإله الابن عندما مات، فإن ذلك يعني: أن الآب والروح القدس قد ماتا معه أيضًا، لكونهم غير منفصلين عنه (مجاراة لافتراءات النصرانية على الله تعالى).
وذلك يقودنا إلى تساؤل مهم، وهو: هل يموت الإله؟!
وإذا كان قد مات كما تعتقد النصرانية، فمن كان يُدبّر العالم الذي يحيا فيه، وغيره مما هو ليس بمعلوم لدينا؟!
وإذا كان إله النصرانية قد مات، فمن الذي أحياه بعد موته؟ هل هو إله آخر؟!
تعالى الله عز وجل عن مثل تلك الافتراءات التي تزعمها النصرانية، علوًا كبيرا.
وأعاذنا الله تعالى من فساد القلب والعقل، ونلوذ به سبحانه وتعالى من أن نُغمس في مثل ذلك المستنقع الروحي الذي تتمرغ فيه النصرانية.
ومما أشرنا إليه بإيجاز، يتبيّن لنا جليًّا بطلان عقيدة التثليث التي تزعمها النصرانية، والتي تتنافى مع أقل درجات المعقول، حيث إن الله تعالى قد وهبنا العقل لنعقل به، ونميز بين الحق والباطل من خلاله.
مؤلفي الأناجيل، وبطلان الادّعاء بالإلهام
لقد تم اختيار 4 أناجيل من قِبَل الكنيسة، من بين الكثير والكثير من الأناجيل المختلفة المؤلفة، وذلك وفقًا لما يتوافق مع مرادها من تأليه للمسيح، والزعم بصلبه وقتله، ثم قيامته بعد ذلك من بين الأموات.
لذلك: فإن تلك الأناجيل الأربعة تنسب إلى (4) أربعة مؤلفين، هم متى ولوقا ومرقس ويوحنا.
فيقال: إنجيل متى، ويُقال: إنجيل لوقا أو إنجيل مرقس أو إنجيل يوحنا، ولا يوجد من بينها إنجيل المسيح عيسى عليه السلام، على الرَغم من أنه هو من أُنزل عليه الوحي من الله تبارك وتعالى، وهو من جاء بالرسالة، لا متى أو غيره من مؤلفي الأناجيل.
ويرجع عدم وجود إنجيل المسيح عيسى عليه السلام، إلى أنه لم تُكتب كلمة واحدة من الإنجيل طوال حياته (كما تقرّ النصرانية بذلك)، ولم يأمر أحدًا بكتابته.
لذلك: فإن جميع الكتب المتضمن لها الكتاب المقدس للنصرانية، ما هي إلا كتبًا مجهولة الهوية، كما يعترف بذلك علماء النصرانية المتخصصون، وكما سوف نوضح ذلك بمشيئة الله تعالى في النقاط القادمة.
غير أننا نجد: أن متى يستخدم إنجيل مرقس على إطلاق بلا قيد، حيث ينقل وينسخ منه إلى إنجيله، كما يتبيّن ذلك جليًّا من كتابهما، مما يوضح بطلان الادّعاء بالإلهام لمؤلفي الأناجيل.